لطالما ظننت جوالي حاجة من حاجاتي وغرضاً من أغراضي..

لكنه مع الأيام صار واحداً من أصحابي، وأخذ حصة من أحبابي.. حتى منعني التركير مع جلسائي، فعين عليه، وأخرى على العالم حولي..

قد أكون محقاً بعض الشيء في بعض الأحيان، فقد كان يأخذني من ضيق لحظات الانتظار، أو من تحت وطأة كلمات ثقيلة في لقاء مملّ، وحتى في لحظات الإحراج.. تراه متنفَّساً جيداً.. يخرجك من الجو ليجمع العالم في هذه الشاشة الأنيقة، ويكسر حواجز الجغرافية، ويصل أحداث التاريخ متجاوزاً كل هوَّة بينها..

إنه يعمل بجد ليسوق لي البيانات والأبحاث التي استهلك إعدادها أعماراً كاملة.. يروجها كسلعة نادرة بأزهد الأثمان! ويضعها بين يديك.. وما عليك إلا الاطلاع إن كان عندك الوقت!

 

كان جوالي ولا يزال كنزاً حقيقياً.. مع أنه ينحت في عافيتي، ويُضعف من بصري، ويحني لي ظهري، ويسمِّر لي رقبتي، ويتحكم بأعصابي، ويأخذ تفكيري.. يغضبني.. ويُضحكني.. يُطربني.. ويحزنني.. يذكِّرني.. يوقظني.. ويعلِّمني..

لكنه مع ذلك أراه أحياناً سجناً وسجاناً.. كلما دعاني هجرتُ العالم وقبعت في زنزانته وبين قضبانه؛ حتى يعتقني بعد أن أنهكني.. ويكرر ذلك كل يوم مرات.. وأستجيب له كل مرة كعادتي..

هكذا هو الخَلق الضعيف.. إذا تحكَم طغى.. وإذا حكم ظلم وعتى.. ولكني كلما قررت أن أعود سيداً كما كنت.. أن آخذ حقي وأعطيه حجمه.. أن يكون في يدي ولا أكون في يده.. سايرني، وتركني لما أريد.. حتى تعيدني الساعات إليه على النحو الذي كنت!

لقد كان يُشعرني بالاضطراب كلما نأيتُ عنه أو حال بيننا سوء الشبكة أو انخفاض الشحن! وهذا ليس حالي أنا وحسب.. فقد أثبتت الدراسات -فعلاً- أن كثيراً ممن يستخدم الجوال يشعر بالقلق والتوتر وعدم الراحة حين يكون جهازه الجوال بعيداً عنه، وهذا ما يزيده منه قرباً، ويزيده به تعلقاً وتأثُّراً، خاصة وأن الجوالات الحديثة اليوم باتت مجمعاً لنشاطات عديدة: الاتصال، والبريد، ومواقع التواصل، والساعة، والبرامج التعليمية، وقراءة الكتب الإلكترونية، وحتى الألعاب... وغير ذلك الكثير، مما عزز دورها في حياة الجيل، وأعظمَ أثرَها على شخصيته وتفكيره.

(يمكنكم قراءة: الذوق.. والجدار الأزرق facebook)

 

 

وإن حداثة هذه التقنية على عظيم نفعِها جرَّت معها عدداً من المشكلات، ولم تقتصر مشكلاتها على الجانب النفسي والبدني وحسب، فقد خلقَت بعض المشكلات الذوقية أيضاً؛ لأنها لا تعدو أن تكون نوعاً من أنواع تواصل البشر فيما بينهم، وفي هذا الميدان ستجول مقالتنا لتتحدث عن ذوقيات التعامل مع الجوال من خلال محاور خمسة:

 

أولاً: ذوقيات التعامل العام.

من ذوقيات التعامل العام مع الجوال: عدم الانشغال به في مجالس القوم، فإذا زارك أحدٌ أو زرتَ أحداً فلا تنشغل بهاتفك عمَّن حولك.. فهذا تصرف غير لائق، ويوصِل رسالة غير مناسبة عن صاحب الجوال، وقيمة الجالسين عنده.

 

 

ومن جميل ما مرَّ معي من الأدلة النبوية في هذا السلوك ما رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم اتَّخذَ خاتماً، فلبسَه، ثم قال عليه الصلاة والسلام: «شغلني هذا عنكم منذُ اليوم، إِليه نظرَةٌ، وإليكم نظرة، ثم أَلقاه». [أَخرجه النسائي وأحمد]، ويبدو أن بريق هذا الخاتم في يد النبي صلى الله عليه وسلم لفتَ عينَه عن الناس مراراً، وحتى في صلاته -كما في بعض الروايات-، فأخذَه عليه الصلاة والسلام وطرَحه من يده؛ حتى لا يشغله عمَّن حوله كما بيَّن بقوله: «إِليه نظرَةٌ، وإليكم نظرة».

لفت نظري بعض الشباب ذات مرَّة حين كتب منشوراً على صفحته في facebook يقول: (أدعو أصدقائي ليلعبوا بجوالاتهم عندي في سهرة اليوم)! المعنى -على طرافته- دقيق وعميق، يلامس طبيعة نشاط بعضنا كلَّ يوم!

 

الحرص على إغلاق الجوال في الأماكن العامة: أو التي تعارف الناس على إغلاقه فيها، كالطائرات، والمستشفيات، والمساجد، وقاعات الجامعة أو المحاضرات، واحذر أن تنساه، وَلَكَ على الأقل أن تضعَه على وضع الصامت، حتى لا تزعِج الآخرين بصوت رنينه، وإن كانت أذنك تطرب إلى تلك النغمة اللطيفة blush!

فإن حصَل ونسيتَه دون إغلاق.. ووردتك مكالمة.. فبادر بفصل الخط للمتصل، وإعادة ضبط الجوال على الصامت أو وضع الطيران، وليس من المناسب أن تقرن بين خطأين من باب: (صارت وصارت)، فتجيب على المكالمة بعد أن نسيت الهاتف دون إقفال!

 

كاميرا الجوال: إذا أردت استعمال كاميرا الجوال فانتبه لمن حولك، خاصة إن كان هناك نساء وفتيات، وذلك حتى لا يُساء الظن بك..

 

 

وأذكر مرَّة كنت آخذ صورة "سيلفي" في العمرة أمام الكعبة المشرَّفة -أعادني الله وإياكم إلى تلك الديار-، فتجاوزت هذا الذوق ساهياً، فهيأ الله لي امرأة منقَّبة ظنَّت أني أصوِّرها، ولم تقدِّر حينها أني كنت آخذ صورة لنفسي.. ولقنتني يومها الدرس اللازم!

وفي هذا السياق.. أوصي الفتيات بالحذر من المرور أمام شباب يلتقطون الصور، أو حتى إطلاق العنان لوضع الصور الخاصة بهنَّ في جوالاتهنَّ، وبخاصة تلك الصور التي تكون فيها الفتاة بغير لباسها الشرعي، فالجوال معرَّض للضياع والسرقة والتهكير، وبذلك يكشف أسرار الفتاة وخصوصيتها، والخوف أن يقع حين يضيع بيد إنسان لا يخاف الله، فيبدأ بالتهديد والابتزاز من خلال بعض الصور والفيديوهات الموجودة فيه.

 

نغمة الرنين: تذكر أن بعض الناس يختصر حكمه عليك من خلال نغمة جوالك، لذلك.. فإن نغمة جوالك جديرة بالاهتمام، وقد تلعب دور اختصار هويَّتك في بعض الحالات، فانتبه إليها.

وبالمناسبة: ليس من المناسب ان تجعلها نغمة قرآنية، فإن الجوال إذا تكلم في الحمام أو بيت الخلاء أوقعَك في المحذور الشرعي، وإن حدث ورأيتَ أن يكون التنبيه قرآنياً مع الحذر من ذلك، واعتمدتَ آية من القرآن تنبيهاً فلا بد من انتظارها حتى تكتمل ثم تأخذ المكالمة، ولا تقطع الكلمة القرآنية في منتصفها، كأن يكون التنبيه (يسألونك عن الأنفال) فتقطعها عند: (يسألونك عن الأنف..)!

 

صورة الخلفية: ومثل النغمة صورة الخلفية، فلا يليق بشاب مسلم على تربية أسرية محترَمة أن يضع صورة غير لائقة خلفية لجواله، هذا يسيء إليه وإلى من ينظُر إلى جواله ممن حوله.

التفاخر بالجوال: تذكر أن الجوال هو وسيلة لقضاء الحاجات، والتواصل للمنافع الدينية والدنيوية، ولم يكن يوماً وسيلة للتباهي والتفاخر من خلال الميزات، ولا يليق بالإنسان أن يختصر قيمته في قيمة جواله وميزاته، ولا أن يجعله دليلاً عليه ومادة للتنافس مع أقرانه.

 

ثانياً: ذوقيات الاتصال.

الـ miss call : بعض الناس عندهم عادة أنه يتصل بحذر، فلا يكاد الهاتف الآخر يرنّ حتى يقفل الخط، وذلك ليتصل به الآخر ويحمل كلفة الاتصال بدلاً عنه، وهذا ليس من الذوق ولا الأدب، وليس من المنطق أن يحمل الآخر كلفة الحديث بأمر تريده أنت!

هناك طريقة توفير أخرى، تتمثل في العبارة الشهيرة "ممكن مكالمة؟ خلص رصيدي!"، هذه أيضاً عادة سيئة، ما لم ينتهي الرصيد فعلاً ويكون هناك اضطرار لإجراء للمكالمة، فلعل الآخر يحتفظ برصيده لأمر ما، أو لا يتوفر معه المزيد من الرصيد، أو نحو ذلك... فيُحرَج بطلب الاتصال من جواله، خاصة النساء، فكم أحرجَت صديقةٌ صديقتها باتصالها بأبيها أو أخيها أو خطيبها من هاتف صديقتها، وقد يعرِّض هذا السلوك صاحبة الجوال لحرَج أمام أهلها، أو أمام من اتصلَتْ صديقتُها به إن عاود الاتصال عامداً أو مستفسراً أو حتى مخطئاً!

والأنكى من ذلك طلب الاتصال من الآخر حين يكون الاتصال دولياً، ثم يأخذ المتصل راحتَه وكأنه يتكلم على حسابه!

حدثني أحدهم أنَّ صديقاً له زاره، فاستأذنه باستعمال هاتفه، وطلب رقماً دولياً، ليتفاجأ صاحب البيت بفاتورة الهاتف بقيمة تتجاوز راتبه الشهري!

وعلى الطرف المقابل: إذا أعرتَ هاتفك الجوال لأحدهم فلا تنظر في سجل الاتصال، واطلب إليه أن يحذف الرقم الذي طلبَه من جوالك إن رغب، ومن المعيب -كذلك- أن تطلب بيان الرصيد بعد اتصاله عن طريق الرمز السريع.

 

حاول أن تقرأ ما خلف الكلام: أن تحاول معرفة الحالة التي يعيشها من تتصل به: هل هو مستعجل؟ هل هو بين جماعة؟ هل استيقظ لتوِّه من النوم؟ هل يأكل؟... وتعامل معه على أساس تقدير ظرفه، فإن أشار لك بإنهاء المكالمة كأن سلَّم عليك أو طلب منك الدعاء فلا تعاود فتح موضوع جديد يُحرِجه، وإلَّا فإنَّه قد ينهي الاتصال بطريقة تحرجُك.

بالمقابل: لا تتصل بأحدهم وأنت تأكل حتى تستعد للحديث معه، وكذلك إن كنت في بيتك وبين أولادك أو أمام التلفاز... فلا تتصل بحالة الصخب، وإنما خذ مكاناً منعزلاً واتصل.

وإن رأيت ممَّن يكلمك على الهاتف جفاءً أو استعجالاً فلا تتسرع باتهامه، ولا تفتح معه تحقيقاً: ما بك؟ أين أنت؟ لماذا تكلمني بهذه الطريقة؟ فلعله في مكان أو ظرف لا يستطيع التواصل معك بالطريقة المعتادة، اصبر، وفي اتصال آخر أو لقاء آخر تطمئن عليه!

 

وقت المكالمة: من ذوقيات الاتصال الانتباه لوقت الاتصال، فلا يكون في وقت باكر جداً، ولا متأخر، ولا في وقت القيلولة، أو الصلاة... 

 

 

وإن اضطر الإنسان للاتصال لأمر مهم أو عمل أو نحو ذلك، فيمكنه الاتصال القصير، بحيث لا ينتظر إشارة إنهاء المكالمة من الشركة، يكفي بعض الرنات، ويفصل الخط، وينتظر اتصال من طلبه حين يفرغ أو يستيقظ.

إن كان الاتصال دولياً فلا بد من الانتباه لفرق التوقيت، فمن غير المنطقي أن تتصل عصراً بأحدهم، وتكون الساعة عنده تشير إلى الرابعة فجراً!

فإن كان الأمر أهم من ذلك واضطر للاتصال الطويل، فألغى صاحب الرقم المطلوب الاتصال فليس من المنطقي إعادة الاتصال به، وتكرار محاولة الطلب، فإن اتصلتَ مرة ولم يرد فلا تعاود الاتصال مرات متعددة؛ فربما أحرجه تكرار اتصالك أو شغله عن صلاة او اجتماع، وهو يستحي أن يفصل بوجهك.. أو ربما كان يصلي فشغلتَه بتكرار اتصالك عن صلاته، ربما كان غاضباً وتدفعه بتكرار اتصالك أن يرد عليك وينفجر في وجهك، ربما وربما...

 

 

وبالمناسبة: صحيح أن إعادة الاتصال أكثر من مرة في حالة عدم الرد ليست من الذوق ، ولكن ليس من الذوق أيضاً تجاهل الاتصال الفائت، فلا بد من الرجوع بالاتصال على من اتصل ولم يُرَدّ على اتصاله.

 

زمن المكالمة: من الجيد أن تحدد -ومن أول المكالمة- مدَّة الاتصال المتوقَّعة، فتقول لمن تتصل به: أحتاجك لثلاث دقائق، أو أحتاج استشارتك بأمر قد يستغرق عشر دقائق، هل عندك الوقت أو أتصل في وقت لاحق؟

فإن كان الاتصال لمجرد الاطمئنان، ثم جرَّ الحديثُ بعضَه، فمن الجيد الانتباه، وسؤال الآخر: هل عندك شيء يعطلك اتصالي عن متابعته؟ أو مثلاً: أنا مستمتع بالحديث معك، لكن إن كان الوقت غير مناسب لك فيمكن تأجيل الاتصال!

بشكل عام.. يُنتبه لمدة المكالمة أن لا تطول، خاصة إن كان الاتصال وارداً من الطرف الآخر، أو كان اتصالاً دولياً، أو بدا على حديث المتكلم استعجال.

 

ثالثاً: ذوقيات استقبال المكالمات.

من الأدب إن كنت تتحدث لأحدهم ووردتك مكالمة أن لا ترد عليها حتى تستأذن من الإنسان الذي معك، فإن أذن لك بأخذ المكالمة فلا تطِل الحديث مع غيره وهو ينتظر، وأعلِم المتصل بأنك مشغول بصحبة أحدهم، وإن كان الأمر يمكن تأجيله فاطلب منه تأجيل الاتصال إلى وقت آخر يناسبك.

فإن استقبلت المكالمة فافتتح كلامك بتحية الإسلام (السلام عليكم)، ولا تتجاوز ذلك بقول: (ألو، كيف الحال) فتفوتك السنة وكمال الأدب.

ويستثنى من ذلك ما إذا كنت بين مجموعة من الناس -كأن كنت على الطابور مثلاً أو في وسيلة نقل عامة أو في مطعم...- ووردتك مكالمة، فافتتحها بقول: (ألو)، حتى يعلم من حولك أن هذا الصوت لأحدهم وهو يتحدث على الهاتف، ثم قل بعد ذلك: السلام عليكم، أهلاً محمد... ونحو ذلك، أما إن لم تفتتح بـ (ألو) وافتتحت بـ (السلام عليكم) فإن من حولك يستبق إلى ذهنهم أنك تتحدث إليهم وتسلِّم عليهم فيلتفتون إليك، وإن قلت أولاً: (أهلاً محمد) وبجانبك من يحمل الاسم نفسه لعله يظن أنك تقصده فيعطيك انتباهه ليتفاجأ أنك تتحدث على الهاتف وليس معه، فيشعر بالإحراج!

 

المبادرة بالتعريف بالنفس: هذا الجهاز للتواصل وليس لاختبار حدس من تتصل به، فمن الأدب أن يعرِّف الإنسان بنفسه وباسمه ولو على الهاتف، وتعجب أحياناً من بعضهم يتصل بك، فلا تعرفه، فتسأله فيقول لك: خمِّن، ما تذكرتني -بلهجة اللوم أو الامتحان-!!

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دَين كان على أبي، فدقَقت الباب، فقال: «من ذا؟» فقلت: أنا، فقال: «أنا أنا!» كأنه كرهها. [متفق عليه]

فإن كان المتصل مجهولاً ولم يعرِّف بنفسه فيمكنك من غير حياء أن تطلب إليه التعريف بنفسه صراحة، وإلا فاعتذر منه وأغلق الخط، فلعله يكون من الجهال الذين يبحثون في أرقام عشوائية يتصيدون من خلالها أطراف الحديث مع الغرباء!

 

قبول عذر مستقبل المكالمة: إن أجاب من تتصل به على اتصالك، واعتذر ببعض انشغالاته فاقبل عذره، ولا تحاول أن تفهم لماذا يعتذر، وأين هو؟ ومع من؟ ولماذا يطلب منك تأجيل التواصل معه؟ وتذكر: {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} [النور: 28] ، فمن الذوق التماس الأعذار إذا بدا من الآخر فتور، أو لم يرد على الاتصال.

وإن وردتك مكالمة وأنت تأكل فأوصل رسالة للمتصل أنك تأكل بطريقة طريفة أو لطيفة، ادعه مثلاً ليشاركك طعام الغداء.. سيفهم بشكل غير مباشر أن يتصل بوقت لاحق.

هذا، ويلزم الانتباه لمن أجاب على الاتصال قبل الشروع بالحديث الخاص، فلعله لا يكون الشخص المطلوب بالاتصال، وكثيراً ما يجري أن يتصل أحدهم بصديق ليس بينه وبينه كلفة، فتفتح أمُّه الخط لتجيب هذا الصديق، فيبدأ بالحديث بطريقة غير مناسبة! فيُحرَج ويُحرِج!

ومن إيجابيات التركيز أول الاتصال التحقق من صحة الطلب، فلعلك سمعت صوتاً مختلفاً، يتلوه اعتذار بأن الرقم غلط، عندها لا داعي أن تفتح تحقيق مع من تتصل به، وتنتظر منه حلاً لمشكلة اتصالك، أغلق فوراً وتأكد من صحة الرقم الذي طلبتَه، فإن رأيته صحيحاً فحاول التواصل عن طريق رقم مختلف أو وسيلة تواصل أخرى، ولا تزعج من اتصلت به مرة أخرى.

 

فإن اتصلت بأحدهم، ورد عليك أحد من أهله، فطلبتَ صديقك، وسألك الذي يكلمك: (من يريده؟) فلا تجب جواباً ساذجاً: (صديقه - جاره - زميله - واحد من الناس...) بل قل: فلان الفلاني -باسمك ولقبك-، فإن الكناية عن اسمك بصفتك فيه استصغار للسائل، وإيصالُ رسالةٍ مضمونها أنك لا تثق بمن سألك، أو تخفي شيئاً لا تريد أن تبديه له، أو تريد ممَّن تطلب الحديث معه شيئاً مريباً لا يجدر بأهله معرفته!

وهنا ينبغي الانتباه أن لا يتم الرد على الهاتف الخاص إلا من قبل صاحبه، ولا بد للأب أن يربي أولاده على احترام خصوصية أفراد الأسرة، فمن غير المعقول أن يردَّ أي أحد على أي هاتف في البيت!

وإذا رد عليك طفل صغير جداً فحاول أن تحدِّثه عبارة واحدة بسيطة، تطلب من خلالها أن يعطي السماعة لأحد الكبار، فإن رأيتَه لم يفهم ما تريد فأغلق السماعة، وأعد الاتصال بعد دقائق، ولا داعي للانفعال.

وإن ردَّت عليك امرأة أو فتاة فحاول اختصار الكلام ما استطعت، ولا داعي للاسترسال معها، قل ببساطة: (السلام عليكم، أنا فلان، هل فلان موجود؟) فإن قيل: لا، أجبتَ: (شكراً، السلام عليكم).

 

وبالمناسبة: ننصح كل أخت مسلمة أن تتورع عن الرد على الهاتف أصلاً، ولا تسبق إلى الإجابة على الاتصال فلا تدري من المتصل، فلتدع هذه المهمة للرجال والصبيان.

كما أحذر بناتنا أن لا ترد على رقم لا تعرفه ولو كان يطلب رقمها الخاص، وذلك لكثرة الشباب الطائشين الذين يتصيدون بنات الناس، يمكنها أن تطلب إلى أخيها أو أبيها أو ابنها فتح الخط، فإن سمع صوت امرأة رده إليها، وإلا فيجيب المتصل إن سمع المتكلم رجلاً.

من الأخطاء المزعجة جداً أن يردَّ أحدهم على اتصال جاءه وهو يقضي حاجته، فكم تستغرب في مكان عام كالاستراحات والمطارات ومحطات الحافلات حين تسمع أحدهم يتحدث على الجوال في بيت الخلاء!

(يمكنكم قراءة: الذوق.. أناقة الروح)

 

رابعاً: ذوقيات التحدث على الجوال.

الصوت المناسب: من الذوق عند الاتصال أن يغضَّ المتحدث صوته، ولا يتحدث بنبرة عالية، فإن الذي يحدِّثه يلصق السماعة على أذنه المسكينة، وكم نرى أناساً يتحدثون في الطريق يَسمَع من حوله حديثَه، وآخر يتحدث وهو يبعد جواله عن أذنه بسبب ارتفاع صوت من يحدِّثه.

طبعاً هذا ما لم يكن من نتحدث إليه ثقيل السمع كبعض كبار السن، فعندها يمكن رفع الصوت للضرورة، والأفضل أن يكون الاتصال في مكان لا يؤذي المتصل به من حوله، كأن يكون في سيارة، أو في غرفة مستقلة.

على الجهة المقابلة: من غير اللائق خفض الصوت إلى درجة تضطر الآخر إلى الاستفسار مرات عديدة، وطلب إعادة الجملة ليفهم المراد، هذا يزعجه جداً ويتعبه جداً.

وإن كنت مع أحد أصدقائك، وجاءته مكالمة تحدث فيها بصوت منخفض، فهذا يوحي بأنه يتكم مكالمة خاصة، والذوق يوجب أن تحاول الابتعاد عنه ما استطعت حتى يكملها.

 

اختصار كلفة الاتصال: إن توقَّعت الاتصال الوارد طويلاً فاعرض على من يتصل بك أن تتحدث معه عن طريق برنامج أوفَر كـ whatsapp أو Viber أو Messenger ...، فإن كان ذلك غير متاح له وكان هو المتصل فاعرض عليه أن تتقاسما المكالمة، وتعيد الاتصال به حتى لا يحمل كلفة الاتصال وحده، وغالباً هو لن يوافق smiley.

لكن تذكر أن الحديث على الهاتف أو الجوال مكلف، فلا تنسَ نفسك بحديث لا فائدة منه، تضيع به وقت الآخر وماله، وفي الحديث: «إن الله كره لكم: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال» [متفق عليه].

 

الهاتف للاتصال، وليس للتفقد: بعض الناس -هداهم الله- يستعملون الاتصال بالهاتف الأرضي لمعرفة وجود إنسان ما في بيته أو مكتبه، فيتصل، وما إن يرفع الآخر السماعة حتى يُغلق المتصل في وجهه، وهذا من سوء الأدب، يزعج من يتصل به، ويقطعه عما في يده، ويثير الشكوك في صدره!

 

تسجيل المكالمات: هناك بعض البرامج تسجل المكالمات، واستعمالها خارج إطار الحاجة الحقيقية ليس من الذوق ولا الأدب، ناهيك عن المشكلة الشرعية في المسألة.

 

السماعة الخارجية speaker : لا يليق أن تفتح السماعة الخارجية في حين يظن محدِّثك أنه يتكلم إليك خاصة، فيتفاجأ بأن حديثه يسمعه من حولك وهو لا يعلم، فاعلم أن الأحاديث بالأمانة، ونشر اتصاله للحاضرين تهمة وخيانة أول ما يؤثِّر ذلك على مصداقيتك أمام الناس الذين تسمِعهم الاتصال.

نعم.. بعض الناس ينتبه للصوت، ويستطيع التمييز بأن الآخر يستمع إليه عن طريق السماعة الخارجية، لكن كثيراً من الناس لا ينتبهون، خاصة إن كان يتكلم وسط صخب أو في الشارع، فإنَّ دِقَّة السمع تكون منخفضة حينها.

ومثل ذلك.. إن قررت استعمال السماعة السلكية بدل وضع الجوال على أذنك، فمن المناسب أن تخبر الطرف الآخر أنك ستستخدم السماعة، حتى لا يريبه اختلاف الصوت بين الوضعيتين.

 

التفاعل مع المتصل: حاول أن تعطي من تتحدث معه إشارات أنك تسمعه وأنت مهتم بحديثه، كأن تقول: (نعم، صحيح، ممم، إهه..)، وإذا رأيت الآخر وقد غاب صوته عنك لمدة وأنت تتكلم فاسأله: ألا زلت معي، هل تسمعني؟ حتى لا يذهب كلامك هباء والاتصال منقطع وأنت لا تعلم!

وفي أثناء الحديث قد تعترض المتحدث بعض المشكلات التقنية أو الخدميَّة، مما يؤدِّي إلى انقطاع الاتصال لثوانٍ ثم عودته، وهنا لا داعي للانفعال، ويمكن إكمال المكالمة من دون الانفجار بشتم الجوال  ومخترعه ومصنِّعه وشركة الاتصال والعالم العربي والمتصل والمستقبل و...! يكفي أن يقول: (عفواً.. انقطع الاتصال، آخر ما سمعت منك كذا..)!

 

الاتصال وقت قيادة السيارة: احذر الحديث على الجوال وأنت تقود سيارتك، فهذا يأخذك من القيادة بنسبة كبيرة، ويزعج من يقود خلفك أو على جانبك، ناهيك عن المخالفة القانونية للأمر، وتعريض النفس للخطر، فقد بيَّن بعض خبراء المرور أن التحدث على الجوال هو ثاني أسباب حوادث السير بعد زيادة السرعة.

الرسائل العشوائية: احذر تصديق الرسائل التي تأتيك بأنك ربحت كذا وكذا، وعليك الاتصال بالرقم الفلاني..، وكذلك احذر المشاركة بالمسابقات التي تنتقي أرقاماً عشوائية، فهذا غالباً خديعة ومكر، وإن صدق فهو حرام غالباً.

 

خامساً: إنهاء المكالمة.

احذر أن تغلق الخط في وجه أحدهم مهما انفعلتَ في مكالمتك..، إنما أجِّل الحديث لحين اللقاء، ثمَّ ألقِ التحيَّة، واستأذن لإنهاء المكالمة..

أما في الحالات الطبيعية فلا تنهي المكالمة بشكل سريع، بل بالسلام، ودعاء، وموعد باتصال قريب...

لا تنسَ أن تحتفظ بالرقم إذا كان الاتصال يحتمل التكرار، حتى لا تضطر المتصل إلى التعريف بنفسه مرة ثانية، اكتب اسمه، وكلمة تذكِّرك به حين يتصل في المرة القادمة.

 

هذه جملة من الذوقيات التي رأيتها جديرة بالمدارسة معكم..

أشكر إضافاتكم في التعليقات أدناه...