مقدمة:

لا شك أن الطلاق اليوم بات تهديدا للمجتمع ككل، وآثاره الهدامة باتت ملاحظة على مستوى الفرد والمجتمع، لكن لم يصل الأمر - يقيناً - إلى درجة توازي تلك الإحصاءات المتحاملة على الأسرة، والتي أشك بمصداقيتها، فالأرقام المنشورة عن عدد حالات الطلاق اليوم في عدد من الدول العربية مريبة، وغير منطقية، وتلعب دوراً سلبياً في صرف الشباب والفتيات عن الزواج وتخويفهم من هول الارتباط الشرعي.

قديماً.. كان بعض النساء يعتبرن البقاء في بيت الزوجية مع وجود خلافات عميقة ومشكلات جذرية ورئيسة أفضل من الرجوع إلى بيت الأهل، وهذا تطرف غالباً، يجعل المرأة تحيا مهضومة الحق المادي والمعنوي، فتسيء إلى نفسها من حيث أرادت أن تُحسن لغيرها، وعلى الجانب الآخر هناك نساء لا يأبهن بمسألة الطلاق، فهو دائماً ضمن الإجراءات الأولية والخيارات المتاحة، وجرعة ناجعة عند أدنى الحاجة إليها، وهذا تطرف أيضاً، يجعل الأسرة على كفّ متأرجح لا تعرف توازناً ولا استقراراً.

 

ولعل أبرز أسباب الطلاق برأيي:

1) ضعف التأهيل والتكوين الأسري، وذلك من خلال:

أ. تبسيط فكرة الاختيار، واقتصار ذلك على مجرد حصول الإعجاب والحب أو العواطف المتغيرة أو المنطلقات الساذجة.. هذه الفكرة التي ترسخها الأعمال الأدبية والمواد المسموعة والمرئية، المستوردة، وحتى المصنوعة محلياً للأسف!

ب. الفردية في الاختيار: إن طريقة بناء الأسرة اليوم باتت مختلفة عن ذي قبل، فغياب الرأي السديد لكبار الأسرة وعقلائها في الاختيار والتوجيه أثَّر على الجيل الجديد، الذي يختار وحده، ويقتصر دور أهله على حضور الاحتفالات والمراسيم لا غير!

ج. عدم القدرة على إدارة الميزانية المنزلية: وهذا ما جعل بعض القضاة يُرجع أكثر من نصف حالات الطلاق إلى جذور مادية.

د. عدم الوصول إلى التوافق الجنسي بين الزوجين: وذلك بسبب التثقيف الجنسي الفوضوي، الذي تقدمه أفلام وأقلام هابطة، هذا النوع من الخلافات عادة ما يكون سبباً أساسيا في زرع التوتر والتنافر بين الزوجين لدرجة طلب الخلع أو الطلاق.

ه. عدم القدرة على تحمل المسؤوليات المترتبة على الزواج: فاليوم نرى أن الشاب يبلغ سن الخامسة والعشرين وهو غير قادر على تحمل مسؤوليات البيت، كذلك الفتاة، وهذا ظلم لكل منهما، يحمل مسؤوليته الأهل الذين لا يزالون ينظرون إلى أبنائهم تحت سن الثلاثين بأنهم غير مسؤولين، وقد قام قاضٍ شرعي في بلد عربي بإجراء استبانة شملت مائتي أسرة - أي: مائتي زوج، ومائتي زوجة - ، أظهرت أن أول ما تريده الزوجات من أزواجهن هو "تحمُّل المسؤولية".

و. عدم الإيمان بأهمية الحوار بين الزوجين: معظم حالات الطلاق الحقيقي - التي عاينتُها واقعاً - كانت مسبوقة بحالات من الطلاق المعنوي أو الطلاق العاطفي، بمعنى أن يتشارك الزوجان المسكن والفراش من دون أي تواصل لفظي أو عاطفي أو جسدي، يعيشان فترة لا يتبادلان فيها الآراء ولا العواطف ولا حتى الكلام العام..

وقد خضت نقاشات مع عدد لا بأس به ممن قرروا الفراق أو أوقعوه؛ لا يعرفون الأسباب الحقيقة التي أوصلتهم إلى هذا الخيار المؤلم، بل كل منهم يعمل على أساس: (فكرت، وظننت، وقلت لنفسي...).

ز. عدم القدرة على الإرواء العاطفي: فمعظم حالات الطلاق الحقيقي يسبقها طلاق عاطفي، ومعظم الرجال اليوم غير قادر على تخطي العقبات الاجتماعية والأسرية التي تعيب عليه إظهار مشاعره واعترافه بها للطرف الآخر، وكذلك تفعل المرأة في كثير من الأحيان، مما يجفف ينابيع المودة والرحمة بين الطرفين.

 

2) نزع غطاء القدسية عن الأسرة والذي ألغى ضرورة الحفاظ على العلاقات الزوجية، فبات ملاحظاً اليوم غياب الوازع الاجتماعي والعائلي الذي كان يرى في الطلاق تهديد للروابط العائلية.

 

3) الدور السلبي لأهل كل من الطرفين في إمضاء الطلاق، فهناك أهالي يشكَرون على جهودهم التوفيقية بين أبنائهم وأنسابهم، لكن آخرين يقتصر تدخله على الدور السلبي الروتيني، لذلك يفتَرض اللجوء إلى إجراء التحكيم العائلي باختيار حكم من أهلها وحكم من أهله يؤدون مهمتهم الشرعية والقانونية، لكن الأمر على الأرض متضاد تماماً مع هذه الصورة!

 

4) الإجراءات القانونية التي تيسِّر عملية الطلاق، يرى بعض المحامين والحقوقيين أن سبب انفجار قضايا الطلاق اليوم هو سبب قانوني بحت يرجع لتيسير إجراءات الطلاق، يُشفَع ذلك بتخلي القضاة عن أدوارهم في محاولة التوفيق بين الطرفين وإقناع طالب أو طالبة الطلاق بالعدول عن ذلك، وتحول الجلسات إلى مجرد إجراء روتيني يتمثل في إمضاء محضر التمسك بالطلاق.