الأبوة والأمومة أحد الدوافع الستة التي تدفع الناس نحو الزواج، فالزواج له دوافع، وهي: 
-    الدافعُ الديني. 
-    والدافعُ الاجتماعي. 
-    ودافعُ الأبوة والأمومة. 
-    والدافعُ الجنسي. 
-    والدافعُ النفسي. 
-    والزواجُ لدوافع خاص 


كثيرٌ من الرجال يتزوجون لأجلِ أن يصيروا آباءً، وربما تتزوجُ امرأةٌ وكل أملِها في الزواج، وكل رغبتِها، أن تصيرَ أُمَّاً، ومن هنا كان قرارُ الإنجاب أو عدمِ الإنجاب، أو الإقلالِ من الأولاد، أو الإكثارِ منهم، وقرارُ تأخيرِ الحملِ أو تعجيلِهِ، كل ذلك لا بُدَّ أن يكونَ قراراً مشتركاً بين الزوجين، وينبغي أن يتم الاتفاق على تفاصيله -من غير مجاملات- قبل الزواج، أي: بين العقد والعرس. 
ولا يجوز أن يكون هذا القرار فردياً، فلو أن امرأة لا تريد الإنجاب وزوجها يرغبُ به، فلا يجوز لها أن تستخدمُ وسائلَ منعِ الحمل في غفلةٍ منه! ومثل ذلك لو أرادت الإنجاب، فلا يجوزُ شرعاً، ولا يصحُّ عقلاً، ولا يستقيمُ عُرفاً، ولا يعتدلُ في الحياة الزوجية أن يعزلَ زوجها عنها وهي راغبةٌ في الإنجاب. 

 

ربما يقول بعض المشاهدين الكرام: إن هذا الأمر أصلاً ليس بيد الإنسان؟! فالله سبحانه وتعالى وحده المتصرف بهذا الأمر وليس غيرُه.
لا شكَّ في ذلك، لكن الإنسان مخلوق مكرَّم، متعه الله بإرادة كاملة، واختيار حر، ووضع للكون قوانين لا تماري ولا تحابي، من قدم أسبابها نال نتائجها، وفي هذا الفلك يدور حديثنا.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من نسمة قدَّرها الله تعالى إلا وهي كائنة»، يعني: إذا قدر الله تعالى خلق ولدٍ فسيكون، وإذا قدر عدمَ خلقهِ فلن يكون، وإنما تنظيم عملية الإنجاب فيما بين الزوج والزوجة هو نوعٌ من أنواع الأخذ بأسباب، كأخذ الدواء للاستشفاء.

 

ماذا إذا لم يتفقِ الزوجان على رأيٍ فصْلٍ في المسألة؟
تقول القاعدةُ: المثبِتُ يقضي على النافي، يعني: الذي يريدُ الإنجاب هو المثبِتُ، والقول، قولُهُ وقرارُهُ هو النافذ.

 

هل يجوز أن يستخدمَ الرجلُ أو المرأةُ وسائلَ منعِ الحمل؟ 
نعم، والدليل: ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما، عن جابر رضي الله عنه قال: كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ. 
فهذا الحديث يدل صراحةً على جواز العزل، ويقاس عليه سائرُ وسائل منع الحمل، لكنْ بشرطين: 
1.    استشارةُ طبيبةٍ أو طبيبٍ مختصٍّ؛ للتأكد من عدم ضرر وسيلة منع الإنجاب. 
2.    أن لا تكون الوسيلةُ مؤديةً إلى التعقيم أو قطع النسل بالكلية، كاستئصال الرحم بالنسبة للمرأة، أو العقاقير التي تُسبِّبُ عُقماً دائماً لرجال، فهذه لا تجوز. 

 

ما الفرق بين تحديدُ النسل، وتنظيم النسل؟
تحديد النسل:
هو أن يُتخذَ قرارٌ رسميٌّ مُعلَنٌ على المستوى الحكومي بتحديد عدد الأولاد المسموح إنجابهم في كل أسرة؛ كولدين –مثلاً- أو أكثر أو أقل، وهذا حرامٌ، لا يجوز، لا شرعاً ولا اجتماعياً، وقد ثبت أن "نظرية مالتوس" التي تقول: (إن التقدمَ الاقتصاديَّ مرهونٌ بقلة عدد السكان) أنها نظرية فاشلة ومغلوطة، فالتطورَ الاقتصاديَّ إنما يقوم به الإنسانُ أصلاً، واستخراج الثروات كذلك، والنماذج الحاضرة عن الدول المتقدمة التي تشهد كثافة سكانية -كالصين واليابان- تشهد لذلك، ثم إن هدف التنمية أصلاً إنما هو راحةُ الإنسان، فما معنى أن نقودَ تنميةً في حينِ أننا نقضي على الإنسان؟!
أما تنظيم النسل: فأنْ يتخذَ زوجٌ وزوجةٌ قراراً بإنجاب عدد معينٍ من الأولاد، مُناسبٍ لحالهما ووضعهما الثقافي والعلمي والمادي والاجتماعي، وهذا جائزٌ شرعاً، وجائزٌ اجتماعياً.

 

هل يجوز إجراء عملية الإجهاض بهدف تنظيم النسل؟ 
في حكم الإجهاض ثلاثةُ أقوال: 
-    قول الإمام مالك: يحرمُ الإجهاضُ من اللحظة الأولى للحمل. 
-    قول جمهور العلماء: أنه يحرمُ بعد الأربعين يوماً من الحمل؛ لأنه بدأ التخلُّقُ، ويجوز قبلها. 
-    قولُ الإمامِ أحمدَ بن حنبل الذي لا يحرِّمُ الإجهاض إلا بعد أربعة أشهر من بداية الحمل، أما قبلها فجائزٌ. 
ولعل المفتي يفتي لكل حالة بحسبها، فيأخذ لها الحكم الأحوط.

 

ختاماً: ماذا نقول للزوجة العاقر والزوج العقيم؟ 
أوصيهما بالرضى بقضاء الله تعالى وقدره، ولو اطَّلعْتم على الغيبِ لاخترتم الواقع،  قال رسول الله : «مِن سعادةِ ابنِ آدمَ رضاهُ بما قضى اللهُ لهُ... ومن شقاوةِ ابنِ آدمَ سخطُهُ بما قضى الله له». [الترمذي] 
فمع كلِّ ما يقالُ لكما من عدمِ إمكانيةِ الإنجابِ، لا تقطعا الأملَ بالله تعالى، ولا تيئسا، وابذلا الأسباب، والجآ إلى مُسبِّبِ الأسباب بالضراعة والدعاء، وتصدقا لله تعالى، عسى الله أن يَهَبَكما الخيرَ، إنه على ذلك قديرٌ وبالإجابة جديرٌ. 
وأحذِّرُ كلَّ مَن لم يُرزَق بولَدٍ أن يذهبَ إلى المشعوذين والمشعوذات، فقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن أتى عَرَّافاً أو كاهناً وصدَّقَهُ بما يقول (يعني هذا الساحر المشعوذ) فقد كفَرَ بما أُنزِلَ على محمَّد»

 

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

*     *     *