مختصر ندوة "ملح الحياة - خيارات لفوضى المشكلات"
المنعقدة في الجزائر العاصمة - درارية في تاريخ 05/ 05/ 2017
لماذا هذه المحاضرة؟
أولاً- لأن المشكلات جزء من الحياة: ونتيجة طبيعية للاختلاف القائم بين الناس، ولن تنعدم المشكلات الأسرية إلا بانعدام الأسرة نفسها.
ثانياً- لأن تعاملنا مع المشكلات سلبيٌّ غالباً: نعم.. نتسخَّط ونتضجَّر، لكننا لا نعرف وسائل إدارة هذه المشكلة، فنغرق في المشكلة أكثر وأكثر...
ثالثاً- لأن بعضنا يغرق في الأمنيات: بعض الشباب والشابات يطمح حالماً ببيت نموذجي، فيتفاجأ بعد الزواج بكَم من المشكلات هائل؛ لم يكن يحسب له حساباً.
خمس حقائق عن المشكلات:
- الحقيقة الأولى: الاختلاف قانون إلهي: { وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } [هود:118]
- الحقيقة الثانية: مراعاة الحقوق والواجبات تضيق هامش الاختلاف: فهي دستور الأسرة الذي يحكم سلوك أفرادها.
- الحقيقة الثالثة: المشكلة غالباً في طريقة التعامل مع المشكلة: أحياناً تعاملنا مع المشكلة يكون أكبر من المشكلة نفسها، فيترك الأثر العميق الجارح أثناء وبعد المشكلة بغضِّ النظر عن حجمها.
- الحقيقة الرابعة: المشكلات ليست بذلك السوء: ليست شراً كلها، { وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُون} [البقرة: 216].
من إيجابيات المشكلات:
أولاً- المشكلات تكفِّر الزلاَّت: ففي الحديث: « مَا يُصيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ، وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ، وَلاَ حَزَنٍ، وَلاَ أذَىً، وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوكَةُ يُشَاكُهَا إلاَّ كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَاياهُ » [متفق عليه].
ثانياً- المشكلة بوصلة لقوة الإيمان وأخطاء الإنسان: جاء في الحديث: « أشدُّ الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأَمثَل فالأَمثل، يُبْتَلَى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صُلْباً اشتدَّ بَلاَؤُهُ، وإن كان في دينه رِقَّةٌ ابْتُلِيَ على قدْر دينه » [الترمذي].
وقد يعاقب عباده بذنوبهم فيؤدب عبده المؤمن الذي يحبه وهو كريم عنده بأدنى زلة وأقلّ هفوة، فلا يزال مستيقظاً حذراً.
ثالثاً- المشكلات تنبيهات: تذكّر الإنسان بحقيقة الدنيا، وأن السعادة الحقيقية هي سعادة الآخرة، كما تذكّره بحقيقة نفسه، وبأنَّه عبد ضعيف، لا حول له ولا قوَّة إلَّا بربِّه.
رابعاً- المشكلات فاضحات: تكشف المعادن المستورة، قال الله تعالى: { وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ } [محمد: 31]: أي نمتحنكم حتى نظهر أخباركم ونكشف حقائقكم.
خامساً- البلايا مقدمات العطايا: فالمقادير لا تجري إلا بخير، { إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } [يوسف: 90].
- الحقيقة الخامسة: تشخيص المشكلة هو نصف الحل: فالحكم على الشيء فرع عن تصوره، والتصور المغلوط للمشكلة يؤدي إلى جملة من الحلول والمحاولات التي لا تفضي إلى نتيجة تنفع!
المحور الأول: تأكد من وجود المشكلة، حتى لا يضيع العمر بغلطة، وتستنزف طاقتك ومشاعرك وأعصابك متفاعلاً مع شيء غير لا وجود له!
المحور الثاني: حدد المشكلة بدقة (الخطأ الحقيقي)، وذلك من خلال معرفة:
1- طبيعة المشكلة: مادية نفسية اجتماعية
2- تاريخ المشكلة، وهل تكررت.
3- أسباب المشكلة.
4- درجة خطورة المشكلة.
5- وصف المشكلةَ بدقة.
6- استخدم الكتابة فيما سبق.
10 خيارات لفوضى المشكلات:
1- وسع خياراتك:
أولاً - اقترح حلولاً متعددة للمشكلة: بتوليد أفكار، وابتكار حلول، واقتراح بدائل، ولا تحصر ذهنك وحالتك في حل، أو اثنين.
ثانياً - قيم الحلول المحتملة: بكتابة إيجابيات وسلبيات كلّ وسيلة مقترَحَة لتجاوز المشكلة.
ثالثاً - اختر الحل الأفضل والأنسب والأسهل للمشكِلة: توفيراً للجهد وتبسيطاً للحياة.
رابعاً - قيِّم النتائج: فإن وجدتَ أنَّ الحل يسيرُ باتجاه سلبي، أو لا يقوم بتحقيق النتائج التي ترجوها، فعد من حيث بدأت.
2- واجه وناقش وحاور: فالله تعالى { خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ }، ليتواصل مع أخيه الإنسان، ليتعامل معه كمخلوق مكرَّم مترفع عن أساليب الكائنات الأخرى إذا ما اختلفت، وهذا هو الأسلوب الأمثل للحل، ولكن بشروط: (أن يكون على انفراد، بعيداً عن الغضب، من غير ذكر الخلافات السابقة، وبعيداً عن مصادرة الكلام والاستئثار بالحديث)، قال الله تعالى: { وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 6]، والائتمار هو التشاور؛ لأن المتشاورين يأخذ بعضهم أمر بعض فيأتمر به الجميع [التحرير والتنوير].
3- توازن ولا تجهل عند المشكلة: بعض الأزواج -وكذلك الزوجات- إذا ما وقعت المشكلة فأول ما يفكر به هو الهروب من المشكلة، وذلك من خلال هجر البيت، او التهديد بالطلاق، أو التهديد بالزوجة الثانية، أو يُدخل الآخرين في الخلاف، أو يلجأ إلى السِّحر والشعوذة، أو يدعو على نفسه، أو يدعو على زوجه... كل هذا من الطيش في التعامل مع المشكلات، وهذا لا يليق بإنسان مسلم.
4- ابحث في الأسباب لا في النتائج: فكل سلوك له دافع، والمشكلات هي مزيج من السلوكيات المتضاربة أو العشوائية غير المتناغمة، ومن الأخطاء الشائعة معالجة ظاهر المشكلة دون الغوص في أسبابها، وتحليل مقدماته، والنظر إليها من عين بعيدة تلم بكافة أطرافها.
5- استعمل مبدأ (بكى): حروف أول الكلمات:
- بدِّل: انظر إلى المشكلة بعين الآخر، لتعرف كيف يفكر، وهل يرى هذه مشكلة فعلاً؟ ما وجهة نظره حول الموضوع؟ وما الحلول المقترحة من طريقه؟
- كبِّر: بأن تنظر إلى مشكلات أكبر تحيط بك، تراها بين جيرانك وأحبابك وأصدقائك.. عند استحضار عدد منها يمكنك أن تدرك الحجم الحقيقي لمشكلتك، أن تدرك هامش السلامة الذي يحيط بها.
- أفصح: فالإفصاح يطرد مشكلات، ويوضح القصد من كل نقطة مهما كانت الأمور تبدو سخيفة، فلعلها عند الطرف الآخر تكون أولوية، وكثير من الخلافات تلوح في دائرة: (ظننت، وفكَّرت، قلت لنفسي...).
6- فكر..! (بالمقلوب، بالدمج، ببساطة، بإيجابية، بحل المشكلة لا في نفس المشكلة).
7- استبعد المسلَّمات الخاطئة والحلول الجاهزة: فنحن -بشكل عام- عندنا مجموعة من المسلَّمات التي يرسخها المحيط، نستحضرها في اللحظات الحرجة كحلول جاهزة وقوالب مقدَّسة ومعادلات لا جدال فيها! ومن ذلك: الحل بيد الأقوى، الحل هو الفراق، الحل هو القتل، الحل يقتضي أن ينتصر أحد المتخاصمين ويخسر الآخر، الحل يقتضي كرامة أحد المتخاصمين وإذلال الآخر..
8- وظِّف عامل الوقت:وهذا يعني أمرين:
أ- عليك أن تقبل الحلول الجزئية، والأيام كفيلة بمتابعة المسيرة.
ب- لا تستعجل الحل، فالوقت يوفر عليك كثيراً من الجهد، لكن انتبه، فبعض المشكلات إن تُرِكت تعفنت وتمددت.
9- استعن بالاستشارة ثم الاستخارة: فبالاستشارة تشارك العقلاء بعقولهم، وتوفر الجهد والوقت بخبرة الغير، لكن..
- الاستشارة لها أصول: بأن تستشير من تثق بعلمه وعقله ودينه، ولا تعتمد على غير أهل الخبرة والتخصص، فإنهم يضيعونك ولا يهدونك.
- والاستخارة لها حقيقة: أنها دعاء، لا علاقة لها بالمنامات وانشراح الصدر وانقباضه، ولا تكون إلا بعد التفكير والاستشارة.
10- إن لم تجد حلاً فالتعايش هو الحل.
فكثير من الأمراض يكون حلها بالصبر عليها، والتعايش معها، كمرض السكري وضغط الدم والقلب...، وبعض المشكلات لها نفس خاصيات هذه الأمر، فدع الأمر على اعوجاجه وإشكاله أسلم وأقوم.
الخاتمة:
هذه 10 خيارات عشرة في التعامل مع المشكلات:
1- وسع خياراتك
2- واجه وناقش وحاور
3- توازن ولا تجهل عند المشكلة
4- ابحث في الأسباب لا في النتائج
5- استعمل مبدأ (بكى)
6- فكر..!
7- استبعد المسلَّمات الخاطئة والحلول الجاهزة
8- وظِّف عامل الوقت
9- استعن بالاستشارة ثم الاستخارة
10- إن لم تجد حلاً فالتعايش هو الحل
تذكر جيداً... القاعدة التي تقول:
(أصلح حالك مع الخالق، يُصلح الله حالك مع الخلق)