يقال: المشكلات ملح الحياة، لأن المشكلات نتيجة طبيعية للاختلاف القائم بين الناس، والذي يظهر بوضوح في كل مفصل من مفاصل الحياة، ولكنه في المؤسسة الأسرية أكثر ظهوراً، ولن تنعدم المشكلات الأسرية إلا بانعدام الأسرة نفسها، فما دامت الأسرة تتنفس الحياة، فالمشكلات تخالط أنفاسها بلا شك! 

وبالمناسبة.. حتى بيت النبوة.. لم يخلُ من المشكلات! أقدس البيوت وأكرم الأزواج صلى الله عليه وسلم مع أفضل الزوجات أمهات المؤمنين رضي الله عنهنَّ لم يخل الأمر في ذلك البيت من مشكلات..، فبيت النبوة ربما كان يحدث فيه المرة بعد المرة شيء من ذلك التعب والتكدير؛ وكان بين نسائه صلى الله عليه وسلم من التغاير ما يَحدث مثلُه -أو شبيهه- بين النساء؛ وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم معصوماً فنساؤه رضوان الله عليهنَّ -وإن كنَّ خير النساء- فلم يكُنَّ معصومات؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:28-29].

لا شك.. أن كل بيت من بيوتنا هو عرضة للمشكلات، تنتابه النوائب وتزوره الخلافات، ولعلَّنا في كثير من المرات نتسخَّط ونتضجَّر من المشكلة، نضيق بها ذرعاً ونرجو ذهابها سريعاً، لكننا لا نعرف وسائل إدارة هذه المشكلة، ولا الطرق التي يمكن من خلالها تفادي الإشكال، فنغرق في المشكلة أكثر وأكثر..

 

المشكلات حقيقة واقعية، لكن... هل تُرانا نُحسن التعامل مع المشكلة عند وقوعها، هل نتعامل معها كما يتعامل الفنان مع مقطوعته، والرسام مع لوحته، يفهمها، ويتخيل هدفه منها، ويعرف مراحلها التي تمر بها، أم نكتفي بالاعتماد كلياً على ردود الأفعال التي تمضي خبط عشواء، تاركة خلفها جروحاً وقروحاً وضيقاً وهماً، وأحياناً.. تمضي تاركة خلفها أطلال الماضي وركام الأسرة...

 

في الحقيقة.. لا مشكلة في المشكلة، لأن المشكلة هي سياق طبيعي للاختلاف، وإذا ما أحسن كل من الزوجين التعامل معه تجنبوا أضرارَه وسيِّئَ نتائجه، إنما المشكلة في طريقة التعامل مع المشكلة..

 

الحوار والنقاش والمواجهة في المشكلات هو مكمن الحل، فالله تعالى {خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}، ليتواصل مع أخيه الإنسان، ليتعامل معه كمخلوق مكرَّم مترفع عن أساليب الكائنات الأخرى إذا ما اختلفت، {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70].

وقال الله تعالى: { وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 6]، والائتمار هو التشاور؛ لأن المتشاورين يأخذ بعضهم أمر بعض فيأتمر به الجميع. [التحرير والتنوير (20/ 96)]

 

 

الحوار كلمة سرٍّ بين الزوجين، كفيلة بحل أكثر المشكلات تعقيداً في حياتهما، بل غالباً ما يكون هو الأسلوب الأمثل للحل والتقارب، ما دام بهدوء، وموضوعية، وتوازن، بعيداً عن إملاءات الآخرين وضغوطهم.

إن معظم حالات الطلاق الحقيقي التي عاينتها واقعاً كانت مسبوقة بحالات من الطلاق المعنوي أو الطلاق العاطفي، بمعنى أن يتشارك الزوجان المسكن والفراش من دون أي تواصل لفظي أو عاطفي أو جسدي، يعيشان فترة لا يتبادلان فيها الآراء ولا العواطف ولا حتى الكلام العام..

وقد خضت نقاشات مع عدد لا بأس به ممن قرروا الفراق أو أوقعوه؛ لا يعرفون الأسباب الحقيقة التي أوصلتهم إلى هذا الخيار المؤلم، بل كل منهم يعمل على أساس: (فكرت، وظننت، وقلت لنفسي...).

(الحوار العائلي جزء أساسي في الحياة الأسرية، حين تفتقده الأسرة تصبح أكثر عرضة للأمراض والمشاكل الاجتماعية صغيرها وكبيرها) [د.جاسم مطوع]

حتى الطلاق.. لا يستقيم أن يقع من دون جلسات علاجية وتحاورية وتشاورية: { فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} [البقرة: 233].

 

لماذا الحوار: 
1)    لأنه يعين على التأكد من وجود المشكلة: 
فبعض الناس يتوقع وجود المشكلة أو يظن وجودها، ولكن في الحقيقة لا وجود للمشكلة أبداً.


2)    لأنه يعين على تشخيص المشكلة:
يقولون في الطب: تشخيص المرض نصف العلاج. 
وهناك قاعدة تقول: (الحكم على الشيء فرع عن تصوره)، والتصور الخاطئ للمشكلة يؤدي إلى جملة من الحلول والمحاولات التي لا تفضي إلى نتيجة تنفع! 


3)    لأنه يعين على اقتراح حلول متعددة للمشكلة:
إن اقتراح حلَّين، وإلزام الآخر بأحدهما هو واحدة من المغالطات المنطقية الشهيرة التي تأسر الدماغ البشري وتقيده؛ إذ تغلق عليه أبواب الحلول الأخرى.. 
من هنا.. فإن واحد من خيارات التعامل مع المشكلة هو حشد عدد كبير من الخيارات الممكن تنفيذها لحل المشكلة.
 

شروط الحوار:
المواجهة والنقاش والحوار هو الأسلوب الأمثل للحل، ولكن بشروط:
-    أولها: أن يكون هذا الحوار على انفراد: 
فالنقاش أمام الناس قد يتحول إلى ما لا يراد، خاصة أمام أهل الزوجين، فوجود الأهل في أثناء الخلاف قد يغير مجرى الحادثة لأحد الطرفين.


-    ثانيها: أن يكون الحوار بعيداً عن الغضب
قد يهمك: (لا تغضب)


-    ثالثها: لا تذكر الخلافات السابقة: 
فهذا من شأنه أن يفتح ملفات إضافية تؤجج الخلاف وتزيد التوتر.


-    رابعها: تكلَّمْ ودَعْ الآخر يتكلم: 
حتى إذا انفعلت ليس لك الحق أن تخرس زوجتك، وأياً كان قدرك، فلها الحق أن تتكلم وتعترض وتفصح وتوضح...
أخرج البخاري ومسلم عن عمر رضي الله عنه أن امرأته راجعته في الكلام، فقال: أتراجعيني يا لَكْعَاء؟، فقالت: إن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم يُراجعنه وهو خير منك، فقال عمر: خابت حفصة وخسِرت إن راجعته، ثم قال لحفصة: لا تغترِّي بابنة أبي قحافة؛ فإنها حِب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخوَّفها من المراجعة.


-    خامسها: انتقد الموقف، وليس الشخص: 
لا تشخصن المشكلة، ولا تتشفى من الطرف الآخر بسبب خطئه، إنما انتقد السلوك.


-    سادسها: توازن ولا تجهل:
بعضنا إذا ما وقعت المشكلة في بيته تخبط وجزع وهلع، وتصرف تصرفات لا تليق به كإنسان ناهيك أن تليق به كمسلم. 
في أسرة ما يلجأ الزوجان عند الخلاف لأسلوب محرج، فيُدخلان الأبناء في الخلاف، ويُشهد أحدهما أو كلامها الأبناء على فعل أمهم أو أبيهم، كنوع من الضغط والإحراج، وهذا الأسلوب خاطئ، له آثاره السلبية الوخيمة عند الأولاد.
ومن عجيب ما رأيتُ في هذا السياق أنه روى لي أحدهم فقال: شكوتُ زوجتي لأخيها لمشكلة جرَت بيني وبينها، فقال لي: طلقها، لماذا أنت متمسِّك بها؟ يريد بذلك تصفية حسابات وخلافات قديمة مع أخته، فتخيل!!
في بعض الأسر عندما تقع المشكلة يلجؤون -وخاصة النساء- إلى السِّحر والشعوذة، ينفقون المال، والجهد، والوقت، ويضيع الحل وتتميع المشكلة وهم ما زالوا ينتظرون حلاً خارقاً خرافياً، وهذا محرم في شرعنا. 
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرّافاً أو كاهناً فصدّقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد» [رواه الطبراني والحاكم]، وفي رواية: «مَن أتى عرَّافا فسأله عن شيء فصدَّقهُ لم تُقبَل له صلاة أربعين يوماً» [أخرجه مسلم].
وترى أيضاً بعض الناس عند المشكلة يدعو على نفسه، أو يدعو على زوجه، أو يدعو على بيته، أو يسب ويلعن، وهذا خطير جداً، فلعل تلك الساعة تكون ساعة إجابة فيندم ساعة لا ينفع الندم، ومثل ذلك أن يلطم نفسه أو يضرب الجدار برأسه.
وقد تجد بعض الرجال يستعمل ورقة ضغط مختلفة، فعندما تنشب المشكلة ويعجز عن حلها وتغيير سلوك زوجته أو قرارها، يلجأ إلى التهديد بالزوجة الثانية.
كل هذا من الطيش في التعامل مع المشكلات، وهذا لا يليق بإنسان مسلم.