نجاح الابن في دراسته هاجس يشغل أذهان الغالبية الساحقة من الأولياء - آباء وأمهات -، والرغبة في تفوق الأبناء وتميُّزهم دراسياً حاجة تلحُّ على أذهان الأمّهات والآباء، ولكن كيف يمكن أن نقدم للابن الدعم اللازم ليبلغ هاته الرتبة المنشودة ويخطو هذه الخطوة المأمولة؟!

في (صناعة الابن البار) ذكرنا الميمات - كلمات تبدأ بحرف الميم - التربوية الخطيرة المؤثرة بشكل مباشر في العملية التربوية لأبنائنا، وهي: (المنزل، المعلم، المسجد، المجتمع، مؤسسات المجتمع المدني).

وفي (أنا وابني والامتحانذكرنا في ميمات البناء العلمي للطفل أن علاقة الابن مع الدراسة تتأثر بخمسة عناصر، هي: (المتعلم، والمعلم، والمدرسة، والمنهاج، والمنزل).

وهنا نعرض (المرافقة المنزلية ودورها في النجاح المدرسي) في عشر خطوات عملية، واقتراحات رأيت الكثير من الآباء والأمهات يعمل عليها، ولكن لا بأس بجمعها هنا تذكرةً لمن يعرف وتنبيهاً لمن لا يعرف، وهي:

 

أولاً - محاولة فهم قدرات الابن:

 

 

فأبناؤنا مختلفون بقدراتهم وإمكاناتهم، لا يستوون في استعداداتهم ولا يتساوون في ذكاءاتهم، بل بعضهم يعاني صعوبات في التعلُّم أو التركيز، وبعضهم يتميز في عمليات الحساب دون المحفوظات، وبعضهم بالعكس، وبعضهم سمعي يتعلم بالسماع، وغيره بصري يتعلّم بالقراءة، والآخر حسيّ يتعلّم بالكتابة ورسم الخرائط الذهنية...

لذلك فإن احترام الفروق الفردية بين الأبناء ضرورة، ومن الخطأ مقارنة الابن بغيره، فالأبناء مختلفون، وقد نرى المرضى في المشفى مختلفين في الاستجابة للعلاج مع اتحاد المرض والدواء والطبيب أحياناً، والتجار - كذلك - مختلفون في أسواقهم مع التشابه العميق - أحياناً - في التخصص والمواقع والمؤهلات، الثمار كذلك تختلف بحجومها وطعومها وألوانها مع أن الجذور واحدة والشجرة واحدة والفرع واحد، والطلاب كذلك بينهم فروق كبيرة، كل واحد منهم يُعَد حالة استثنائية خاصة، والواجب توجيه قدراته وتفعيل ميزاته ومساعدته على تطوير ذاته.

كذلك من الخطأ أن نختصر الابن في نتائجه: لأن الابن أكبر من ان يُختصر في مثل ذلك، وكل إنسان كذلك، لا يُختصر في بعض أدائه وأدواره..

 

هل قرأت مقال (اختصرني بكلمة)

 


هناك كتاب ماتع للشيخ علي الطنطاوي اسمه "مع الناس"، ضمّنه مقالة باسم "أيها الطلاب"، كتب فيها: (الامتحان ميزان يصحّ حيناً، وقد يخطئ حيناً، والمصحّح بشر، يكون مستريحاً يقرأ بإمعان، وقد يتعب فلا يدقّق النّظر، وأنّه ينشط ويملّ ويصيب ويخطئ، وقد جرّبوا مصحّحاً مرّة؛ أعطوه أوراقاً، فوضع لها العلامات والدّرجات، ثمّ محوا علاماته وجاؤوه بها مرّة ثانية؛ فإذا هو يبدّل أحكامه عليها، وتختلف درجاته في المرّتين أكثر من عشرين في المئة.

وطلبوا من مصحّح مرّة أن يكتب هو الجواب الذي يستحق العلامة التامّة، فكتبوه بخط آخر، وبدّلوا فيه قليلاً، وعرضوه عليه، فأعطاه علامة دون الوسط).

 

ثانياً - ترميم دور المدرسة والمعلم والمنهاج:

 

 

وذلك من خلال التواصل مع المعلم وإدارة المدرسة، والتعاون معهم حتى يقدّم الابن أفضل ما عنده، وإن كان الأب والأم على دراية بدروس الكتاب فدورهم إعادة شرح ما صعُب من المنهاج لابنهم، وتيسير الواجب المدرسي له، ثم التنقيب عن الأشياء الممتعة داخل المنهاج والتأكيد عليها، كالمعلومات التي تتعلق بالفضاء، والأحياء، والفيزياء المسلية، وكذلك الصور والرسوم... وهي تختلف حسب ميول الطفل واهتماماته، هذا لترميم الفجوة بين الطالب والمنهاج؛ الذي كثيراً ما يراه الطالب متسماً بالجفاف مغرقاً بالنظرية موغلاً في التخلّف عندما يقارنه برشاقة المواد التعليمية والترفيهية التي يتلقاها من الإعلام وعبر الإنترنت.

من المهم أيضاً إقناع الابن أنه أكبر من منهاجه، وأن عقله يستطيع استيعاب المنهاج وأضعاف معادلاته ومعلوماته، وأن التفوق مادة ممكنة ميسورة، غير أنها تحتاج إلى إرادته وجديته وصبره.

 

ثالثاً - مساعدة الابن على الحفظ:

 

 

بتوفير الجو المناسب، الهادئ، البعيد عن الضجيج، البعيد عن سحر ألوان الطبيعة التي تسرق الابن أحياناً من دراسته، ومحاولة إعمال حواس الابن في الحفظ بتقديم المنهاج في قوالب: (مادة مقروءة، ومادة مسموعة، ومادة مكتوبة بخط اليد).

 

قد يهمك: (التربية الفنية والجمالية)

 

ومن الجيد أن يعمل الأولياء على ترتيب المعلومات للابن: بإعطائه المعلومات العامة والكلية (يمر على الدرس، يحدد أهم الأفكار، ويفهم مخطط الدرس)، ثم التفاصيل المرتبطة بها، ومحاولة ربط كل جديد يحفظه بمعلومات سابقة أو بالأشياء والأفكار والحوادث التي تشبهه، ولا بأس بالاستعانة بالنغم والإيقاع في أثناء الحفظ - كما فعل أسلافنا في منظومات العلوم -، مع ضبط أوقات المراجعة بحيث لا تتسرب المعلومة من الذهن، ومعالجة الأمراض البدنية التي تسبب آلاماً تمنع الابن من التركيز كآلام الأسنان والعيون ونحوها، مع الحذر من المواد الغذائية المضرّة والثقيلة على المعدة وعالية الدسم...

 

رابعاً - مساعدته على خوض الامتحان:

 

 

يمكن إجراء الامتحانات التجريبية: والتي يتم فيها حلّ نماذج عن اختبارات الأعوام السابقة، مع تحديد وقت حقيقي لذلك، يتضمن الإجابة على كل الأسئلة، ومراجعتها، ونقل ما في المسودات، ثم تصحيح الأوراق من قبل أحد الوالدين، وتقديم النصح أو التثمين بعد ذلك.

ومن ضرورات خوض الامتحان تعليم الابن كيف يقرأ السؤال، وكيف يجيب، ومن المهم تنبيه الابن أن لا يحاول استعراض كل مسائل الكتاب قبل الامتحان، ويكتب كل سؤال في المكان المخصص له، يدونه بخط مفهوم وواضح، دون أن يضيع النقطة الجوهرية للسؤال، ودون أن يسرقه الوقت في قاعة الامتحان.

وعلى كل حال فبإمكانه أن يتفوق في الامتحان بأمور أربعة، ذكرناها في (آليات التفوق) ، وهي:

  1. إرادة التفوق.
  2. حفظ المعلومات.
  3. استرجاع المعلومة في قاعة الامتحان.
  4. كتابة المعلومة كاملة صحيحة على ورقة الإجابة.

 

خامساً - تقديم الدعم النفسي:

 

 

ومن ذلك: تشجيع الابن حال تفوقه، ومكافأته، مع الحذر من الوعد بهدايا قيِّمة بعد الامتحان، ثم مساومة الولد والتحايل للتملص من الوفاء بالهدية، مما يجعل الولد غير واثق بوعود أهله في الامتحانات المستقبلية.

 وكذلك تقديم الدعم اللازم له حال تأخره، من دروس خارجية، أو كتب خارجية، أو مساعدة في التحفيظ والسماع منه، وبث الثقة بالنفس حال الخوف والعمل على إزالة التوتر والقلق المصاحب للامتحانات، مع توفير الجو المناسب للدراسة؛ من هدوء نفسي ومنزلي، وحل الإشكالات التي يواجهها الطالب مع زملائه وأصدقائه وخدمات مدرسته، واقتراح البرنامج المناسب للحفظ، بحيث يتخلص الابن من العشوائية، ومن الضغط، ومن الخوف، ومن المشتتات التي تأخذه من الدراسة في وقتها (موبايل - لابتوب - فيس بوك - ألعاب - تلفزيون ...)، ليتسنى له توجيه اهتمامه جيداً إلى الشيء الذي يريد أن يحفظه.

 

سادساً - اقتراح برامج دراسية:

 

 

البرامج تقوم بتنظيم أوقات الدراسة والطعام واللعب ونحو ذلك، مع احترام توازن الابن: باحترام حق الابن في اللعب، وحقه في الراحة، وحقه في الحاجات الأساسية (الطعام، الشراب، النوم، الاجتماع..) تقدّم في وقتها، وتدخل ضمن عملية إدارة المشتتات: إغلاق تلفاز، وإلغاء الأجهزة الإلكترونية، وتلبية الحاجات الطبيعية قبل الجلسات الدراسية.

 

سابعاً - التفاعل مع الابن في العملية الدراسية:

 

 

بعض أبنائنا يجد نفسه وحيداً في الميدان أمام أمٍّ تأمر وتنهى ثم تتوجه إلى التلفاز لتتمتع بتناول الفوشار، وأبٍ يأتي آخر النهار ليحقق بالمكتسبات الجديدة ويعاقب ويصرخ عند التقصير، فالمطلوب التفاعل الإيجابي من كلا الأبوين، وإن كان الملاحظ تخلي الأب عن تعليم الابن في هذه الفترة، ورمي المسؤولية والثقل كاملاً على الأم.

 

ثامناً - تعوّد الأهل على الكلام الإيجابي طيلة العام:

 

 

فالابن يكتشف التغيُّر المفاجئ للسان أهله مع قدوم الامتحان، ويحاول أن يوصل لهم رسالة أنه لا يبالي بهذا الكلام، خاصة إذا لمس خلال العام ربط الامتحانات بأشخاص الأهل وسمعتهم.

 

تاسعاً - تعوُّد القراءة المنزلية:

 

 

بتخصيص وقت خاص بها كما يتم تخصيص وقت للطعام والنوم، والذي يكون في البيت مقدساً أحياناً، فكذلك القراءة، ينفع تخصيص وقت لها يتعود من خلاله الابن على التعلُّم، ويحاط بالبيئة المساعدة، دون احتياج إلى تغيير برنامج الابن ونمط حياته أيام الامتحان (النوم - الطعام - الراحة - اللعب...)، ولا ربط بين التعلُّم والامتحان، إنما يكون التعليم في بيته نمط حياة.

 

عاشراً - الدعاء للابن:

 

 

لاستمطار المعونة السماوية التي تعين الابن وتدعمه وتفتح آفاق عقله، وكذلك تعليمه الدعاء لنفسه (اللهم علمني ما ينفعني، وانفعني بما علمتني، وزدني علماً)، وقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية يدعو لنفسه ويقول: (يا معلم إبراهيم علمني).

 

هذه عشرة اقتراحات تنفع في المرافقة المنزلية للابن في العملية الدراسية:

أولاً - محاولة فهم قدرات الابن.

ثانياً - ترميم دور المدرسة والمعلم والمنهاج.

ثالثاً - مساعدة الابن على الحفظ.

رابعاً - مساعدته على خوض الامتحان.

خامساً - تقديم الدعم النفسي.

سادساً - اقتراح برامج دراسية.

سابعاً - التفاعل مع الابن في العملية الدراسية.

ثامناً - تعوّد الأهل على الكلام الإيجابي طيلة العام.

تاسعاً - تعوُّد القراءة المنزلية.

عاشراً - الدعاء للابن.