بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وبعد.
أحيِّيكم سادتي الأفاضل بتحيةِ الإسلام، السلامُ عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
ثم أَزيْدُ للهِ الحمدَ أن جمعَنا في هذا الصَّرحِ، الذي يمثِّل بيتاً مسلماً عامراً، الزوجُ فيه هو "الجامع" والزوجةُ فيه هي "الجامعة"، التَقيا ليُخرِّجا أبناءً موفَّقين، متوازنين، جمعُوا العلمَ من أطرافه الثلاثة: (العلم بخلق الله، والعلم بأمر الله، والعلم بالله)، ولو أن الاكتفاءَ بأحَد هذين الزوجينِ دونَ الآخرِ لن يَجلِب لنَا اليوم إلا أنصافَ الرجال، كما تُثبِت ذلك المشاهدات، أما حينَ تَلتقي الجامعةُ فتَأخذ تربيةَ الجامع يُخَرَّج الطلابُ على علمٍ حسَن في الدنيا والدين، فاللهَ نسأل أن تكون هذه المؤسسةُ أنموذجاً راسخاً في ذلك.
أيها الكرام:
في هذا الملتقى الكريم، الذي قام حول: (عالميةِ الإسلام بين تحدِّي العولمةِ وواقعِ المسلمين)، أحببتُ أن أتجاذبَ معكم أطرافَ الحديث من خلال كلمةٍ وسمتها بـ : (الأسرةُ المسلمةُ.. ومعركةُ الهُويَّة).
وكما تعلمون.. فالأسرة تحتل في الشريعة الإسلامية مكاناً علياً، فنرى أن القرآنَ الكريم تناول أحكامَ الزواجِ والأسرة وما يتعلق بها من خلال ستٍّ وأربعينَ ومائةِ آية، تحدَّثَتْ هذه الآياتُ عن الأسرةِ، والزواجِ، والأبِ، والأمِّ، والأولادِ، والنفقاتِ، والإرضاعِ، وما إلى ذلك...
وتحدَّثَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الأسرة من خلالِ أحاديثَ لا يَكاد العادُّ يُحصيها كثرةً ووفْرَة.
ثمَّ إنَّ خُمُس المادَّة الفقهية تتحدَّث عن أحكامِ الأسرَة فيما يُسمَّى: (الأحوالَ الشخصية)؛ فأبوابُ الفقه الكبيرة -كما هو معروفٌ- خمسةٌ: (العباداتُ - المعاملاتُ - الأحوالُ الشخصية - القضاءُ - السياسةُ الشرعية).
ومن خلال هذه النصوص والتشريعات يدعونا الإسلام للعناية بأسَرنا، بأزواجنا، بزوجاتِنا، بشبابِنا وفتياتِنا، في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والفقه الإسلامي، غير أن واقعَ الأسرةِ المسلمة اليوم يستصرخُنا!!
وأدعوكم لنقفَ معاً عند بعض النقاطِ التي تبين ذلك.
النقطة الأولى: الأسرة المسلمة اليوم مستهدفة:
لما كانت الأسرةُ قوَّةَ الفرد وحِصنَ المجتمعِ كان أعداءُ العربِ والمسلمين في حربهم علينا يوجِّهون سهامَهم -فيما يوجِّهون- إلى أسَرِنا، إذ يعرفون أن نقضَ الأسرةِ يَهدُّ كاهلَ المجتمع، وكما يقول ابنُ خلدون: (إن الدولَ ترقى وتنحط بقدرِ ما تكونُ الأسرةُ فيها قويةً أو ضعيفةً).
فتارةً يوجه أعداءُ الأسرة سهامَهم إلى الفتاة لينفروها من الزواج، وليوغروا صدرَها بالعداء بين الرجل والمرأة، ولينفخوا فيها بكل بوقٍ هدَّام لتنازع الرجلَ أعمالَه وأقوالَه ومسؤولياته، ولتجابهْ -بكلِّ قوتها- المجتمعَ الذكوريَّ الظالمَ -كما أوهموها-..!!
وتارة يتوجهون إلى الشاب ليثنوه عن تحمُّل مسؤولية الزواج والأسرة، وليضعوا في طريق زواجِه العراقيل ويُرجِفوا حولَه الأراجيف.
وتارةً يتوجَّهون للفتيات والشباب معاً ليُضرموا فيهما نار الشهوات وحمأة الفتن، فملبوساتٌ فاضحة وصورٌ ماجنة وأفلامٌ ساقطة وأغانٍ هابطة...؛ كلُّها لاستهداف الأسرة بشكلٍ مباشرٍ وغيرِ مباشر، هذا فضلاً عن اتفاقات دولية يعتني أعداء الأسرة والعفة والفضيلة -أولَ ما يعتنون- بها، لهدم كلِّ رباطٍ زوجي، ودعمِ كلِّ علاقةٍ خارجَ الأسرة.
فاتفاقيةُ "سيداو" لمناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة تدعو في المادةِ السادسةِ عشرَ منها لمفرداتٍ تجتمعُ مع بعضها لنقض عرى الزوجية: فالقوامةُ مشتركة، ولا ولاية للأبِ على بناته، والإرثُ بالتساوي، ولا تُكَلِّفُ زوجاً بالنفقة على زوجته، ولا تتركُ له أمراً في سفَرها ولا حضَرها، ولا سكَنها معه في البيت أو في غيره إن شاءت..!!
ومؤتمر "بكّين" للمرأة والسكان يُشيع أنواع أسَرٍ جديدة؛ مُسَاكنةً أو شذوذاً أو علاقةً غير شرعية، ويدعو إلى الفوضى الجنسية بشكل أو بآخر، والطامة الكبرى أن بعضَ الدول العربية وافقت على تلك الاتفاقيات، وصارت اليوم تعقد لهؤلاء الشواذ عقوداً تحتوي منكرَهم ضمن إطارِ القانون ليغدوَ ذلك -بالتدريج- جزءاً من الواقع وعرفاً في المجتمع.
إنَّ استهداف أسَرنا يصرخُ بنا لدعمِ الزواج الشرعي، لدعمِ عملية التربية، لنفضِ الغبارِ عن تلك الصورِ المشوَّهةِ المنفِّرةِ التي لا تتَّسق مع الفطرةِ الإنسانيةِ، ولا تليق بالأسرةِ عامة، ولا بالمرأة خاصة، فالإسلام كما اعتنى بالأسرة اعتنى بأفرادها، فسوَّى بين الرجل والمرأة في جملة الحقوق والواجبات٬ وإذا كانت هناك فروق معدودة فاحتراماً لأصل الفطرة الإنسانية وما يُنبني عليها من تفاوت الوظائف -كما يقول شيخنا الغزالي عليه رحمة الله-، وإلا فالأساس قول الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
سادتي وإخوتي:
إن القانون الإلهي المحكَم في التنزيل العزيز يقول: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء: 27].
أرادَ الله لأهلِ هذه الأرض خيراً، فصدَّر لهم من خلالِ دينهِ ما يداويهم وينفعُهم ويرفعُهم، لكن أولئك الذين يتبعون الشهوات أرادوا بنا ميلاً عظيماً، أرادوا لأسَرنا أن تكون كأسرهم التي يدعو حالُها للشفقة، ومن ذلك أن مجلة (أوبزر فاتور) الفرنسية ذكرَت أن نسَبَ العزوف عن الزواج بلغَت 85%، ونسْبَة الطلاق فيها أكثر من 50%!!
ثلث أطفال أمريكا يولدون خارج إطار الزواج، و(75%) من الأمريكيات يشعرن بالقلق لانهيار القيم والتفسخ العائلي.
عدد العائلات التي ترأسها أمهاتٌ غيرُ متزوجات ولديهن أطفال وصل في الإحصاء السكاني الأمريكي لعام 2000 إلى سبعة ملايين ونصف مليون أسرة، في حين وصل عددُ الآباء غير المتزوجين الذين يربُّون أطفالهم وحدهم إلى مليونين.
(50%) من المواليد في بريطانيا غير شرعيين، وفي روسيا ربع الأطفال غير شرعيين.
وفي دراسة خاصة أجرتها جمعية رعاية المسجونين تبيَّن أن 48% من الأحداث الذكور و64% من الأحداث الإناث يعانون من تفكك الأسرة، و70% من كبار السن يعيشون بمفردهم.
هؤلاء الذين يَصلون الليل بالنهار ليصدِّروا لنا الاتفاقيات كاتفاقية سيداو، لا أعرف لماذا تتعامى مؤتمراتهم عن النتائج الوخيمة الكارثية لدعاوى المساواة والتحرير في بلادهم والبلاد التي يتوجهون إليها!
وبالمناسبة: فالعدوى أخذَت تسري في الدول العربية والإسلامية، وتلك الجهود الخبيثة بدَأت تُثمِر فينا، فالأسرة بدأت تتهاوى، ففي مطلع العام 2014 أفاد القاضي الشَّرعي الأوَّل في دمشق أنَّ عدد دعاوى التَّفريق في المحكمة الشَّرعيَّة بلغت خلال عام (7121)، أي قريباً من عشرين دعوى كلَّ يومٍ في دمشق وحدها.
وقد قرأت منذ أيام في واحد من المواقع الإلكترونية لقناة تلفزيونية أن رئيسَ الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل كشف أن هناك أكثر من 3800 مولود سنوياً خارج نطاق الزواج (يعني أكثر من عشرة أطفال غير شرعيين يومياً)، فيما أشار إلى أن هناك ما بين 11 إلى 13 ألف طفل أقل من 18 سنة يُقدَّمون إلى العدالة، بعدَّة تهم أهمها السرقة، الضرب، وحتى القتل.
نعم، الأسرة المسلمة اليوم مستهدفة، والعدوى بدأت تسري، وهذه النقطة الأولى التي تبين أن واقع الأسرة المسلمة اليوم يستصرخنا.
النقطة الثانية: التطبيق المشوَّه للتعاليم الإسلامية المعنيَّة بالأسرة عامة، وبالمرأة خاصة:
صحيح أن الأسرة المسلمة مستهدفَة، لكن المشكلة تبرز أكثر بممارساتنا التي رسَّخت لذلك النخرِ ومكَّنَت لهذا الوباءِ الدَّخيل، عن جهلٍ حيناً، وعن قِصَرِ نظرٍ حيناً.
يقول فضيلة الشيخ محمد الغزالي في كتابه (قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة): (المرأة عندنا ليس لها دور ثقافي ولا سياسي، لا دخل لها في برامج التربية ولا نُظُم المجتمع، لا مكان لها في صحون المساجد ولا ميادين الجهاد. ذِكرُ اسمِها عيب، ورؤيةُ وجهِها حرام، وصوتُها عورة، وظيفتها الأولى والأخيرة إعداد الطعام والفراش!.
المرأة اليهودية تشارك مدنياً عسكرياً في قيام إسرائيل، وها هي ذي توشك أن تكون ملكة في البيت الأبيض تضع اللمسات الأخيرة في الإجهاز علينا، ولا يزال نفر من أدعياء التدين يجادلون في حق المرأة أن تذهب إلى المسجد وتَحضر الجماعات، إننا نموت قبل أن يَحكم علينا غيرُنا بالموت! فهل نعي ونرشُد؟).
أيها الكرام:
من يقرأ التاريخ بحقٍّ وإنصاف يظهر له أن البشرية برمَّتها لم تعرف ديناً ولا حضارةً عُنيت بالمرأة كما اعتنى بها الإسلام، فأنزلها منزلتها العظيمة، وحفظ مكانتها الكريمة، ورفع قدرها، وقرر حقوقها ودافع عنها، وحدد واجباتها وحذر من الطغيان والزيادة عليها، ولضمان ذلك أحاط المرأة بسياج من الرعاية والعناية الخاصة حفاظاً عليها وعلى حقوقها، وخصَّها بالتكريم وحُسْن المعاملة سواء كانت ابنةً أو زوجةً أو أختاً أو أمّاً...
وبدت هذه العناية من خلال نقاط عدَّة نستعرضها سريعاً:
أولاً: لم يميز الإسلام بين المرأة والرجل من الناحية الإنسانية:
قرَّر الإسلام أنَّ أصل المرأة والرجل في الخلق واحد؛ ولهذا فالنساء يُماثِلن الرجال في القَدْر والمكانة، ولا ينقصنَ عنهم لمجرد كونهنَّ نساء، فقد قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً..} [النساء:1].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ»، أي: نظراؤهم وأمثالهم، وهم جميعاً في الإنسانيَّة سَوَاء.
يقول فضيلة الشيخ محمد الغزالي في كتابه (قضايا المرأة):
(الإسلام متهم بإهانة المرأة، واستضعافها..! فهل في كتاب الله وفي سنة رسوله ما يبعث على التهمة؟!
القرآن بين أيدينا لم يتغير منه حرف، وهو قاطع في أن الإنسانية تطير بجناحين، الرجل والمرأة معاً، وأن انكسار أحد الجناحين يعني التوقف والهبوط!
فلننظر إلى السُّنة، ولنستبعد ما التصق بها من الواهيات والمتروكات!
إنَّ مصاب الإسلام في المتحدثين عنه لا في الأحاديثِ نفسِها).
إذاً.. أول مظاهر عناية الإسلام بالمرأة أنه لم يميز بينها وبين الرجل من الناحية الإنسانية.
ثانياً: عاب الإسلام كل سلوك يميز بين المرأة والرجل من الناحية الإنسانية:
ومن أمثلة ذلك: أن القرآن الكريم حدثنا عن الجاهليِّين والمشركين أنهم في مناسبات الولادة يميزون بين الذكر والأنثى بطقوسهم وردود أفعالهم، فقال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل: 58-59]
حكمٌ جاهلي، وسلوك جاهلي، ومحاكمة جاهلية، نفاها جملةً قولُ الله تعالى: {أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}.
ثالثاً: أسَّس الإسلام لتمكين المرأة على أوسع نطاق:
لما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجتمع هذا حاله، وتلك مبادئه، قام صلى الله عليه وسلم يدافع عن البنات، ويؤسس لهنَّ مكانة في المجتمع الإسلامي الجديد لم تبلغها فتاة في حضارة ماضية، ولن يدْرِكْها دستور في أُمَّة تالية، وراح يحذِّر من ظلم الفتاة ويكثر من الوصية بها، على المنبر تارة، وفي المجالس تارة، وفي الحج أخرى.. ، ورغَّب في الإحسان إلى الفتاة صغيرة، وأثبت لها الحقَّ في اختيار زوجها والموافقة على الخاطب أو ردِّه، وليس لوليها إجبارها على الاقتران برجل لا تريده، ثم أمر زوجها بحُسْن معاملتها وطيب عشرتها، فإن أساء وتعسَّف حتى كرهَت المرأة زوجها فقد متَّعها بحقَّ مفارَقة الزوج عن طريق الخُلْعِ، وليس لوليٍّ منعُها من التصرف في حقها من المهر، فللمرأة ذِمَّة ماليَّة مستقلَّة تماماً كالرجل؛ تبيع وتشتري، وتستأجر وتؤجِّر، وتوكِّل وتهب..
وهكذا.. ظلت الأوامر الشرعية والوصايا النبوية تتوالى تترى لحفظ حقوق المرأة، حتى إنه صلى الله عليه وسلم استمر بتلك التوصية إلى فراش موته، وهو يقول في كل موطن: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً».
بهذا عاشت المرأة المسلمة عزيزة أبيَّة كريمة في ظلِّ تعاليم الإسلام، في حين أنك إذا نظرت من الجهة المقابلة رأيت ما يندى له الجبين ويكثر منه الأنين، أحكام وضعية، ظاهرها فيه الرحمة، وباطنها من قبله العذاب!!
يقول فضيلة الشيخ محمد الغزالي: (هذا تكريم الإسلام، فأين تكريمهم؟ فأين هذا في الحضارة الغربية من حقوق المرأة التي كرَّمها الإسلام بنتاً وزوجةً وأماً، ويغمض الغرب عينيه على واقع المرأة المرير في بلدانه.. ثم يتطاول على سماحة ديننا ويدعو نساءنا إلى السفور والسقوط باسم الحرية والاستقلالية، متناسين أنه لا يوجد نظام في الكون أعلى من قَدر المرأة ورفع شأنها مثل الإسلام).
أيها الكرام:
حين رسَّخ الإسلام لهذه المكانة كان يقال في شرائع الهند القديمة: إن الوباءَ والموتَ والجحيمَ والسمَّ والأفاعي والنارَ... خيرٌ من المرأة!
لكن شرائعهم الحديثة تحسَّنت قليلاً، فصاروا يجبرون أجمل فتياتهم على الزواج بكلب لتدفع غضب الآلهة وسخطها عن الجماعة أو القرية!!
وكان الرومانُ قديماً يبيعون النساء في الأسواق كما تباع الحاجياتُ!
وفي التوراة المزعومة مكتوبٌ: (وجدْتُ أَمَرَّ من الموت: المرأةَ)!
أما الصليبيُّون فحكموا على المرأةَ بأنها رجسٌ! حرَّموا عليها أن تأكلَ اللحمَ، وأن تضحكَ، وأن تتكلمَ، وفي بعض مجتمعاتهم الصليبيةِ القديمةِ كانوا يثقبون شفاهها ليقفلوا فمها عن الكلام!!
وفي فرنسا عُقِدَ اجتماعٌ لبحثِ الحكم على المرأة: هل تعُدُّ إنساناً أم غيرَ إنسانٍ؟! فوصلوا إلى نتيجةٍ وهي أنها إنسانٌ مخلوق لخدمةِ الرجلِ!
وفي انكلترا أصدرَ الملك هنري الثامن أمراً بتحريمِ مُطالعةِ الكتاب المقَدَّسِ على النساء، ولم تكنِ النساءُ عندهم تُعَدُّ من المواطنين، ولم تكنْ لهنَّ حقوقٌ شخصية.
الغريب أن أحفاد هؤلاء غيروا اليوم سياستهم وما حادوا عن أهدافهم، ودسُّوا السُّم في العسل، فأرادوا تدنيس فتياتنا بالرذائل، وإجهادَها بأسوأ الأعمال وأقذر الأفعال لتصل إلى أسوأ الأحوال، فلهثت خلف آرائهم ونظرياتهم بعض فتياتنا، وقَبِلْنَ بالرُّخْصِ بعد الغلاء والدُّون بعد الرفعة، لقِصَر نظرٍ أو قلةِ خبرةٍ أو تحييدٍ مُنَظَّم للمربي والناصح في حياة الفتاة، فصاروا يُشنِّعون على من يُنبِّه المرأة، ويدَّعون أنه لا يرى فيها سوى الشهوة والخدمة، وهم الذين يتاجرون بأنوثة المرأة وإغرائها، ويعرضون جسدها في سوق الأفلام، والمسلسلات، والدعايات، والموضة.. لأجل الضرب على وتر الشهوة والغريزة الجنسية التي ادَّعوا أنا لا نرى في المرأة سواها، ثم يعزفون ذاك الوتر النشاز المسمى (تحرير المرأة)!
إذاً.. الأسرة المسلمة اليوم مستهدفة -وهذه النقطة الأولى-، وتطبيق التعاليم الإسلامية المعنية بالأسرة عامة، وبالمرأة خاصة.. مشوَّهٌ -وهذه النقطة الثانية-.
النقطة الثالثة والأخيرة: ضعف التأهيل الأسري:
في الماضي كان الآباء والأمهات والأجداد والجدات يؤهِّلون أبناءهم وبناتهم للزواج بشكل مباشر أو غير مباشر، فجلسات العائلة المسائية وصحبة الأب لأبنائه والأم لبناتها في زياراتهم العائلية تؤهل الأبناء بطريقة غير مباشرة لبناء الأسر ورعاية الأزواج والزوجات، فالأب ينصح ولده عند زواجه نصائح تختصر له خبرة حياته، والأم تغذي بنتها بلبان تجاربها تأهيلاً للزواج.
واليوم.. تنوعت التحديات، وصار من السَّهل جداً الوصول إلى عقول أبنائنا وبناتنا وهم بيننا، ولذلك وجب أن نهُبَّ للحفاظِ على ما بقي، وترميمِ ما تهاوَى، من خلال تدريب وتأهيل أسَريٍّ، يُبصِّر الشابَّ والفتاة بدور الأسرة، ويزودهما بالمهارات اللازمة لهما في نوائب الأيام، ويجنِّبهما تلك السلوكيات التي تنقض عرى الأسرة، بدءاً من سوء الاختيار، وانتهاء بالتسرع في الطلاق، ويَقيهمَا شرَّ التأهيل السَّلبي الذي يتلقَّونه من الثقافات الغربية حيناً، ومن بعض الإعلام غير الواعي حيناً، ومن رفاق السوء حيناً آخر.
معاشر السادة:
- الأسرة المسلمة اليوم مستهدفة.
- وتطبيق التعاليم الإسلامية المعنية بالأسرة عامة، وبالمرأة خاصة.. مشوَّهٌ.
- والتأهيل الأسريُّ ضعيف وسلبي.
هذه النقاط الثلاث رأيتُها تنهك الأسرة المسلمة في معركة الهوية، ولا بد من العمل على المعالجة جماعات وفرادى، قبل أن يتَّسع الفتق على الراقع.
أشكر حسن استماعكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.