خلف هذا الهدوء الذي تكتسي به البيوت اليوم.. وراء هذه الأبواب والنوافذ هناك معارك تقوم بين الناس وبين عاداتهم.. تتغيّر لذلك أمزجتهم وتحتقن نفوسهم ويبلغ بهم حظر التجوّل حدَّ الجنون!

 

لو رجعنا خطوة إلى الوراء لعلمنا أن القابلية للتعوّد هي فطرة إنسانية، والناجحون في الحياة تميزوا عن الفاشلين بمجموعة من العادات الذهنية والنفسية والسلوكية التي وقفت وراء نجاحهم، قابلها مجموعة أخرى عملت عملها خلف أسباب الفشل..

 

التربية.. ما هي إلا عمل دؤوب على تعويد الأبناء تكرارَ سلوكيات معينة، لتخلق فيهم عادات معينة؛ تجعلهم يتسمون بالنظافة، والنظام، والأدب، والاحترام... كذلك القيم التربوية هي مجموعة محركات نقوم بزرعها في أبنائنا لتشكل عندهم عادات ترفعهم إلى مصافّ الناجحين، حتى البر والعقوق لديهم ما هو إلا مجموعة عادات!

 

صفاتنا الجيدة.. هي مجموعة عادات نقوم بها دون تكلُّف: تحمُّل المسؤولية، الابتسامة الدائمة، اغتنام الوقت، المثابرة والإنجاز الجيد، القراءة اليومية، الخشوع في الصلاة، التدبر للقرآن، صيام الإثنين والخميس... كلها عادات، و(الخير عادة) [ابن ماجه]

 

كذلك أخطاؤنا المتكررة.. هي نتيجة عادات تعوّدناها إلى أن سجنَتنا فلم نستطع الخروج من أسرها..

 

حتى الإدمان.. هو عبارة عن عادة لا يمكن لصاحبها التخلّي عنها، تسلَّلت إليه عن طريق الفضول أو حب المخاطرة أو الحاجة أو اليأس ربما.. ثم تحولت بالتكرار إلى إدمان.

 

الإجرام كذلك هو عادة، فقد أثبتت عدة دراسات وبحوث الفارق بين إجرام الأحداث وإجرام البالغين؛ أن الأول هو نتاج عوامل أسريَّة واجتماعيَّة وبيئيَّة يكون الحدَث ضحيَّة لها، أما الثَّاني فيرجع - أساساً - إلى عادات وسلوكات لدى البالغ الجاني يتعذَّر عليه أن يغيِّرها.. طغت عليه عاداته إلى أن قضت على عدد من صفاته الإنسانية، مثل الرحمة والشفقة وحب الخير والعدل!

 

والحقيقة أن في حياة كلٍّ منا عادات كبيرة يمكنها أن تكون كمعالم ظاهرة وبارزة فيه، يراها هو ومَن حوله، لكن ثمة عادات صغيرة ولوازم دقيقة؛ لفظية أو حركية، قد تبدو له أو لا تكاد تَبين.. ما إن يقرّر تغييرها حتى تتحول إلى وحش كاسر وعقبة كؤود وشجرة عصيّة تمتد جذورها في أعماق نفسه وتاريخه، تذكّره أن تغيير المألوف أشدّ من ضرب السيوف!

 

اليوم في الحجر الصحي نتيجة انتشار وباء " كورونا" نعاني من مواجهة عاداتنا الاجتماعية التي ألفناها في السنوات السابقة.. إنها تدفعنا بقوة نحو الروتين الذي ألفناه، ويترك فينا تغيُّرها قلقاً وانزعاجاً واضحين!

 

في ذات الوقت تتكون عندنا مجموعة من العادات النفسية والذهنية والسلوكية الجديدة، بعضها جيدة، كالحوار والتواصل الأسري والجلسات العائلية، والطعام الصحي، والعناية بالنظافة... لكن بعضها خطرة، مثل: الكسل والخمول، النوم الزائد، السهر الطويل، الإسراف في الطعام والشراب، والإدمان الإلكتروني، والمتابعات التلفزيونية، قتل الوقت...، عدا عن سرعة الانفعال، التأجيل والتسويف، وسواس التنظيف والتعقيم، السلبية، كثرة الشكوى والتذمر، الخوف والحذر من الآخرين...

 

المشكلة أن اكتسابنا للعادات الجيدة يحتاج إلى جهد وتكرار وانتباه ومحاولة، لكن وقوعنا في فخ العادات السيئة لا يحتاج إلا التراخي والاستسلام.. وسنسقط بين براثنها بشكل عفوي وسهل، ثم يصعب علينا التغيير.

 

لكن هذه الظروف المرحلية في الحياة لو ضعفنا أمامها واستسلمنا لها ستَخلق فينا عادات متطرفة..

ستدربنا على إلقاء أحمالنا متى شئنا لأيِّ أمر شئنا على مَن شئنا...

ستنتهي الظروف الاستثنائية وتدور الأيام وسنواجه صعوبة قاتلة في العودة إلى ما كنّا عليه قبلها من التوازن والإنجاز والفاعلية والتصالح مع الذات والمحيط، وربما تظل تلك المساحات التي خصصناها يوماً لعظائم الأمور شاغرة في أوقاتنا وأذهاننا؛ لتملأها بعد ذلك توافه تعوَّدناها في زمن الحَجر تحملنا إلى الجزء المنسي في زوايا التاريخ. 
 


مقالات مرتبطة:
هذه كورونا فأين عثمان؟ 


اقتراحات للأسرة في زمن كورونا


covid19.. فإذا هم خامدون!