سبحان الله! وأنا أتأمل حالنا هذه الأيام؛ وقفت على حكمة بالغة أراد الله منّا الانتباه لها، وقد غفلنا عنها بل نسيناها.. وهي علاقتنا ببعضنا البعض؛ ابتداءً بالأسرة من الزوجين والأبناء، إلى الأسرة الكبيرة، والأحبّة، والأصدقاء، وكل البشرية...

 

لقد طغت علينا الأنانية، وانكفأ كل واحد على نفسه، وكلٌّ لسان حاله يقول: نفسي نفسي..

وأصبحت الأسرة تعيش الغربة فيما بينها من جفاء للمشاعر، وغياب الحوار والنقاش، وانحسار الكلمة الطيبة والشكر والتشجيع والمدح..

غابت روح الدعابة والنكتة، ناهيك عن حرارة اللقاء!

غاب التفهم والتعاون، وحل محله النقد واللوم سوء الظن..

أصبحنا نبخل على بعضنا حتى بكلمة "شكراً" خاصة بين الأزواج وبين الآباء والأبناء.

 

الأب لا يحضن أبناءه، ولا يقبّلهم، ولا يخصص لهم وقتاً للحديث والمسامرة، وينشغل عنهم وعن زوجته بالهاتف وبعالمه الافتراضي!

يمازح هذا، ويضحك مع الآخر، ويسأل عن حال تلك، ويخفف عن أخرى... وزوجته إلى جانبه مشتاقة لكلمة واحدة تقويها على مشاقّ يومها.

وقد يزيد في ظلمها بالابتعاد عنها وتفضيل الخلوة مع هاتفه أو الأحرى مع مَن وراء هاتفه، وزوجته المسكينة تعاني من الوحدة والإحساس القاتل بأنها لم تصبح مرغوبة من زوجها!

 

وقد تنشغل الزوجة عن زوجها - أيضاً - وتبتعد عنه وهي تدّعي التعب من شغل البيت والاهتمام بالأولاد، فلا هي أنفقت احتراماً لزوجها ولا هو أشبعها حباً؛ وأصبح البيت خالياً من كل مشاعر الحب والود والرحمة والسكينة... أصبح كثكنة عسكرية للأكل والنوم، وكل واحد غريب فيه عن الآخر!

 

واليوم أُجبِرَ الكل على البقاء في البيت، قد لا يستطيع الأب تقبيل أبنائه ولا احتضانهم، ولا تستطيع الأم ذلك أيضاً، ولا الأبناء يقدرون على فعل ذلك خاصة إذا كان بينهم مصابٌ بالفيروس...

الآن أحسسنا بقيمة كل ذلك.. حين فقدنا النعمة وأصبحنا نتحسر عليها!

لقد كنا في سعة من أمرنا ولكن لم نفعل!

وهنا يحضرني حديث الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لذلك الأعرابي الذي رآه يقبّل الحسن بن علي، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم تقبلون الصبيان، ولا نقبلهم؟ إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً! فقال له الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: «أو أملك إن كان الله نزع منكم الرحمة؟» [متفق عليه].

 

فلنغتنم فرصة البقاء بالبيت بأن نجعل من القرب سعادة، ومن دفء المشاعر دواء لقلوبنا.. ومن الكلام الطيب بلسما لأرواحنا..

اقترب - أيها الزوج - من زوجتك.. انسَ ما كان بينكما من سوء تفاهم.. أعد حياتك إلى البوصلة.. أنت تستطيع ذلك {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7]، انسَ وتجاوز فكلنا خطاؤون ونحن لسنا ملائكة، فكما أخطأتْ زوجتك في حقك فقد قصرتَ أنت أيضاً معها وأخطأتَ في حقّها.. تغافل واغفر فسترى الخير كله بإذن الله.

 

 وإليكِ - أيتها الزوجة - أقول: سامحي وتجاوزي عن زوجك.. احتويه بقلبك الكبير وأشبعيه احتراماً.. لا تغرقيه حباً وعاطفة، فهو لا يريد ذلك بقدر ما يريد احترامك وتقبُّلك له كما هو، وشكره على تعبه في توفير حاجيات العيش الكريم.. أخفضي له جناح الذل وسوف يرفعك لمقام الملكة ببيته..

 

أبناؤكم.. زينة حياتكم.. من أجلهم وأجل سعادتهم ازرعوا بذور السعادة والحب؛ فستثمر طمأنينة في قلوبهم وراحة لأرواحهم وإبداعا لعقولهم..

البقاء في بيوتنا منحة ربانية وفرصة لإعادة ترتيب حياتنا وأولوياتنا.. والرسالة الإلهية تقول لنا "أسرتك أولويتك"، فعودوا لأسركم يرحمكم الله!

 

بقلم أ. رشيدة قادري

مدربة ومستشارة في العلاقات الأسرية والتربوية