عَنْ أمِّ المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِه» [أخرجه مسلم]
وفي حديث آخر عن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها أيضاً قالت: «كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العَشْرُ الأَواخر من رمضان أحيى الليلَ، وأيقظَ أهلَه، وَجدَّ، وشَدَّ المِئْزَرَ» [أخرجه البخاري ومسلم].


وهذا عشر رمضان الأخير قد أتى، وهذا منادي السَّماء ينادي: يا باغي الخير أَقْبِل، ويا باغي الشَّر أَقْصِر..


العشر الأخير.. عَشر الخلوة بالله للمحبِّين، وميدان الجدِّ للسابقين، وفسحة الاستدراك للمقصرين.


في العشر الأخير من رمضان يتزاحم المتنافسون على باب الكريم، وكلٌّ يبتغي وصلاً بربه، ويتفنَّن في الوصول إليه، ويُدئِب جسمَه ويجود بكفيه، ليرجع بإحدى التحفَتين: المغفرة، أو العِتق، فلا تكن أهون الطالبين وآخرهم على باب الكريم!


في العشر الأخير من رمضان تعصف رياح المغفرة بالذنوب، وتجتمع سحائبَ الرحمة فوق القلوب، لتروي ظمأ التائبين والمحبين، فإذا هبَّتْ رياحك فاغتنمها.


لئنْ ذهبَ مُعظمُ الشهر فقد بقيَ أعظمُه! بقيَ الثُّلث والثلث كثير.. كافٍ لمن أراد الوصال.. لمن أراد إنقاذ نفسه من النار.. لمن أراد أن يستدرك ما فات ويلحَق بالركب ويبلغ المراد. 


كان السلف الصالح يعظمون ثلاث عشرات: (العشر الأخير من رمضان، والعشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأول من المحرم). 
واختلف العلماء أيهما أفضل: العشر الأواخر من رمضان أم العشر الأوائل من ذي الحجة؟ والراجح أن ليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل؛ ففيها ليلة القدر، وأيام عشر ذي الحجة أفضل؛ ففيها يوم عرفة.


فهذا عشر العتق، والسيد كريم، والحِمل ثقيل، والناجون كُثُر.. فأدرِك نفسك وتعرَّض لنفحة دهرك! عسى أن تكون من أهل القدر عند ربك في ليلة القدر، فليلة القدر وحدها فرصة للنجاة: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدَّم من ذَنْبِهِ» [متفق عليه]. 


وقد رُوِي عن مجاهد رحمه الله: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ذكرَ رجلاً من بني إسرائيل لَبس السِّلاح في سبيل الله ألف شهر، فتعجب المسلمون من ذلك، وتمنَّى صلى الله عليه وسلم أن يكون من أمته، فأعطاه الله تعالى بدل ذلك لكلِّ أمته ليلة القدر؛ {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:3] [أخرجه البيهقي في سننه الكبرى، وابن كثير في تفسيره].


وتضييع ليلة القدر من أعظم الخسارات، ففي الحديث: «فيه ليلةٌ خير من ألف شهر، مَن حُرِمَ خيرَها فقد حُرِم» [النسائي وأحمد]


وقد ندبنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى محاولة التعرض لنفحات ليلة القدر؛ فأمرنا أن نتحراها، وأن نلتمِسها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» [البخاري]، وقال صلى الله عليه وسلم: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان» [مسلم]


وعلَّمنا كذلك ما نقول إذا وفَّقنا الله إليها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله، أرأيت إن وافقتُ ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: «قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» [الترمذي وأحمد]. 

فاللهم اجعلنا من الفائزين في هذا العشر
وبلِّغنا بفضلك ليلة القدر