يوم عرفة خير أيام الله، يومٌ أخذَ الله فيه العهد، وأكملَ فيه الملة، وأتمَّ به النعمة، واستودعه ركن الحج الأعظم...

يوم تهفو له قلوب العابدين، وتهب فيه نفحات رب العالمين، ويتعرض له الصالحون، ويسعى لاغتنامه السابقون.

يومٌ أقسم الله به عدة مرات:

- فأقسم مرة بليله فقال: ﴿‌وَلَيَالٍ ‌عَشْرٍ﴾ [الفجر: 2].

- ومرة بنهاره فقال: ﴿‌وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ [الفجر: 3] ، قال ابن ‌عباس: (‌الشفع: يوم النحر، والوَتر: يوم عرفة). [تفسير الطبري] .

- وأقسم به كذلك في قوله تعالى : ﴿‌وَشَاهِدٍ ‌وَمَشْهُودٍ﴾ [البروج: 3] ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «اليوم ‌الموعود: يوم القيامة، واليوم ‌المشهود: يوم عرفة، والشاهد: يوم الجمعة» [رواه الترمذي].

 

أولاً: موقعه الزمني:

- يوم عرفة يوم من أعظم أيام الأشهر الحرم التي قال الله تعالى فيها: ﴿‌إِنَّ ‌عِدَّةَ ‌الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة: 36]، والأشهر الحرم هي : (ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب).

 

- وهو أبرز أيام أشهر الحج التي قال الله تعالى عنها: ﴿‌الْحَجُّ ‌أَشْهُرٌ ‌مَعْلُومَاتٌ﴾ [البقرة: 197]، وأشهر الحج هي : (شوال، ذو القعدة، ذو الحجة).

 

- وهو أحد الأيام المعلومات التي أثنى الله عليها في كتابه، فقال: ﴿‌لِيَشْهَدُوا ‌مَنَافِعَ ‌لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ [الحج: 28]، والأيام المعلومات هي: عشر ذي ‌الحجة في قول أكثر المفسرين. قيل لها "معلومات" للحرص على علمها بحسابها من أجل وقت الحج في آخرها. [تفسير البغوي] وعن ابن ‌عباس رضي الله عنه قال: (الأيام المعلومات: أيام العشر، وعلقه البخاري عنه بصيغة الجزم به). [تفسير ابن كثير].

وهذه الأيام أقسم الله تعالى بها لعظمتها عنده، فقال: ﴿‌وَلَيَالٍ ‌عَشْرٍ﴾ [الفجر: 2]، (والليالي العشر: المراد بها عشر ذي الحجة. كما قاله ابن ‌عباس، وابن الزبير، ومجاهد، وغير واحد من السلف والخلف). [تفسير ابن كثير]، وخص يوم عرفة وحده بالقسم في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم كما تقدم.

 

ثانياً: موقعه الديني:

- يوم عرفة أحد الأيام العشرة المفضلة في أعمالها على غيرها من أيام السنة، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ». يَعْنِى أَيَّامَ الْعَشْرِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» [أبو داود والترمذي]، وعند البخاري بلفظ: «‌ما ‌العمل ‌في ‌أيام العشر أفضل من العمل في هذه».. الحديث

 

- ويوم عرفة هو اليوم الذي أخذ الله فيه الميثاق على ذرية آدم عليه السلام، ففي قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى ‌أَنْفُسِهِمْ...﴾ [الأعراف: 172]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أخذ الله الميثاق من ظهر آدم ‌بنعمان - يعني عرفة - فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم قبلاً، قال: ﴿‌أَلَسْتُ ‌بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ۝ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [الأعراف: 172-173]. [رواه أحمد]

وفي رواية عن الضحاك بن مُزاحِم قال: «إنّ الله أخرَج مِن ظهر ‌آدم يومَ خَلَقَه ما يكونُ إلى يوم القيامة، فأخرَجهم مثلَ الذَّرِّ، ثم قال: ﴿‌أَلَسْتُ ‌بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ﴾ [الأعراف: 172]، قالت الملائكة: شهِدْنا». [تفسير ابن أبي حاتم، وعزاه السيوطي في الدر المنثور لعبد بن حميد]

 

- ويوم عرفة يوم عيد للحُجَّاج أهل الموقف: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يومُ عرفة ويومُ النحرِ وأيامُ التشريقِ ‌عيدُنا ‌أهلَ ‌الإسلامِ، وهي أيامُ أكلٍ وشُرْبٍ» [رواه أبو داود والترمذي والنسائي]، فعرفة عيد الحُجَّاج أهل الموقف؛ إذ يباهي الله بهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «‌إن ‌الله ‌يباهي بأهل عرفات أهل السماء فيقول لهم: انظروا إلى عبادي جاءوني شعثا غبراً». [ابن حبان والحاكم في المستدرك على الصحيحين]. وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما ‌من ‌يوم ‌أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة. فيقول: ما أراد هؤلاء؟!» [مسلم]

 

- يوم عرفة يومٌ أكمل الله فيه الملة، وأتمَّ به النعمة، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، (أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً! قال: أي آية؟ قال: ﴿‌الْيَوْمَ ‌أَكْمَلْتُ ‌لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3]، قال عمر: ‌قد ‌عرفنا ‌ذلك ‌اليوم، والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قائم بعرفة يوم جمعة) [البخاري ومسلم]، وفي رواية: (وكلاهما بحمد الله لنا عيد) [تفسير الطبري].

 

- في يوم عرفة ركن الحج الأعظم: فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاه ناس من أهل نجد، فقالوا: يا رسول الله، كيف الحج؟ فقال: «‌الحج ‌عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه». [أخرجه أحمد والترمذي والنسائي].

 

- يوم عرفة أفضل الأيام مطلقاً: لحديث جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما من يوم ‌أفضل عند الله من ‌يوم ‌عرفة، ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء» [ابن حبان].

 

ختاماً: كيف يمكن للمسلم - غير الحاج - أن يغتنم هذا اليوم بشكل أفضل؟

هذا ما يعرضه مقال: (برنامج يوم عرفة). 

اللهم اجعلنا في يوم عرفة من أقرب من تقرَّب إليك، وأوجه من توجه إليك، وأصدق من سألك ورغب إليك. 

تقبل الله منا ومنك صالح العمل