مداخلة الدكتور أحمد رباح في إطار المشاركة في فعالية إطلاق التقرير المشترك بعنوان:

"تقييم العلاقات الزوجية خلال الخمس سنوات الأولى للزواج في العالم العربي"

والحدث الجانبي حول:  

"منهاج عمل الأسرة العربية"

والذي نظمته الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، قطاع الشؤون الاجتماعية، بالشراكة مع معهد الدوحة الدولي للأسرة، من 1 إلى 3 جويلية / يوليو 2024م، في فندق سانت ريجيس بالقاهرة - مصر.

وتمثلت المشاركة بإدارة الجلسة الأولى؛ والتي قدمَت لمحة عامة حول الدراسة، وعرضاً تفصيلياً لمسببات الطلاق المبكر. ثم في الجلسة الثانية بتقديم مداخلة عن: "برامج تأهيل المقبلين على الزواج والاستشارات الأسرية، ودعم استدامة الزواج"ـ  وفي اليوم الثاني: إدارة ورشة عمل ضمت ممثلين من عدة دول عربية للخروح بخطة تنفيذية حول برنامج استرشادي إقليمي لتأهيل المقبلين على الزواج، وفي الجلسة الختامية؛ بتقديم ورقة مرجعيَّة حول "الاتجاهات الأربعة الكبرى" المحددة من قبل إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة؛ لمؤتمر الذكرى الثلاثين للسَّنة الدولية للأسرة، المزمع انعقادة في الدوحة، أكتوبر 2024م.

وكانت الفعالية بمشاركة كريمة من سعادة السفيرة الدكتورة هيفاء أبو غزالة، الأمين العام المساعد، رئيس قطاع الشؤون الاجتماعية في جامعة الدول العربية، وسعادة السفير القطري في مصر د.طارق الأنصاري، وسعادة الدكتورة شريفة نعمان العمادي، المدير التنفيذي لمعهد الدوحة الدولي للأسرة.

 

نَص المداخلة

مقدمة:

سعادة السفيرة الدكتورة هيفاء أبو غزالة، الأمين العام المساعد، رئيس قطاع الشؤون الاجتماعية في جامعة الدول العربية.

سعادة السفير الدكتور طارق الأنصاري، سفير دولة قطر في جمهورية مصر العربية.

سعادة الدكتورة شريفة نعمان العمادي، المدير التنفيذي لمعهد الدوحة الدولي للأسرة.

السادة الضيوف الكرام بجميل أسمائهم وكريم ألقابهم وعالي مراتبهم..

إخوتي الأساتذة والدكاترة المشاركين والمشارِكات..

السادة القائمين على تنظيم وإدارة هذه الفعالية..

الحضور الكرام:

أسعد الله أوقاتكم بكل خير، أنا سعيد أن أكون من المشاركين في هذه الفعالية العامرة بكم.

 

شكر وتقدير:

  • بداية.. أود أن أعرب في مداخلتي عن الشكر الجزيل والتقدير العالي للجدية والجهد الدؤوب في العمل الجماعي لمحاولة الفهم المنضبط لوضع الأسرة اليوم في الساحة العربية.

وعلى الإيجابية التي اتّسمت بها روح التقرير الاستطلاعي المشترك حول: "تقييم العلاقات الزوجية خلال الخمس سنوات الأولى للزواج في العالم العربي"، والمتمثلة بالوقوف على عوامل النجاح وآليات التكيُّف والتوافق الزواجي، التي تؤدي لاستمرارية وتماسك مؤسسة الزواج في سنواتها الأولى، في وقت يصَب جُلُّ التركيز فيه على تناول الأسباب ورصد المظاهر - على أهميته وضرورته -.

وعلى العملية - كذلك - في الوقوف على سبل الدعم على مستوى الدول والمجتمعات العربية، وتقديم أدلة علمية لصناع القرار ومصممي البرامج التدخُّلية لمعالجة مظاهر الخلل في العلاقات الزوجية في الخمس سنوات الأولى.

وعلى سمات متميزة، مثل الشمولية، والتوازن، واحترام الخلفية الثقافية والاجتماعية والدينية للبلدان العربية، وسمات أخرى وقفتُ عليها حين اطَّلعت على نسخة التقرير التي تكرَّمت الجهة المنظِّمة بموافاتنا بها.

 

المخطَّط:

سأقف في كلمتي على مقدمة، وأذكر المنهجية التي اتبعتُها، والإشكاليات، ثم الفرضيات، ثم الحل المقترح، وسيكون هذا الجزء الأخير اقتراحاً عملياً لدعم استدامة الزواج من خلال برامج تأهيل المقبلين على الزواج والاستشارات الأسرية.

وللبيان.. كنتُ اقترحت ورقة عمل فيها شيء من التفصيل والشرح لواقع الأسرة في الساحة العربية من خلال دراسة أجريتُها عام 2019م على المشاريع الأسرية المعاصرة وأثرها على الأسرة، لكني لما اطَّلعت على التقرير الاستطلاعي المشترك حول: "تقييم العلاقات الزوجية خلال الخمس سنوات الأولى للزواج في العالم العربي"، رأيتُ أن لا أكون كما يقول المثل العربي: "كناقل التمر إلى هجر"، ويقولون عندنا في المثل: " لا تبع الماء في حارة السقائيين" فتلقى ما قيل قديماً: "تحدّثني عن بطن أمّي وقد مكثت فيه تسعة أشهر؟!".

 

مقدمة:

ذات ليلة، على الساعة الثانية عشرة ليلاً اتصل بي أحد الشباب منفعلاً، يطلب لقائي على عجل، سألتُه، ففهمت أنه في مشكلة كبيرة مع زوجته، طلبت منه أن يأتي إليّ لأهدِّئ من روعه وأقدِّم له بعض الاقتراحات المساعِدة، كان أول حديثه: يا دكتور، أليس من واجب زوجتي أن تخدم أمي؟ قلت له: لا! قال: كيف ذلك؟ ألم يوجب الله عليها ذلك؟ قلت له: لمَ؟ قال: إنها أمي! قلت له: اخدمها أنت!... سكت واعترف أن هذه الفكرة الخاطئة في باله هي أساس كثير من مشكلاته وخلافاته مع زوجته.

معلومة واحدة تعالج قناعة خاطئة، أو ترمِّم فكرة ناقصة، تكفي لحل مشكلة كبيرة بين الزوجين.

جذور هذا التباين في الرؤى والأحكام بين الزوجين فطري، المرأة والرجل مختلفان، وليس الذكر كالأنثى، والزواج يصهرهما في بوتقة واحدة - هي البيت -، وفي معظم المفردات، وهذا يقتضي عملية بناء الوعي والثقافة بينهما. 

واليوم صار التخطيط ضرورة تلازم المشاريع، والزواج من أهم مشاريع الحياة التي يجب التخطيط لها ودراسة تفاصيلها؛

  • لأنه من أهم المشاريع التي يخوضها الشباب قبل سن الأربعين، وربما أكثرها كلفة.
  • ولأنه علاقة حياتية مستمرة مستدامة وليست مؤقتة.
  • ولأنه مشروع عام وأبدي وهام وشامل لكل فئات المجتمع؛ وليس محصوراً بالمتعلمين؛ كالدورات التخصصية في بعض العلوم والمهارات.

لكل ذلك لزم الالتفات إليه والتخطيط له ودراسة الجدوى منه، ثم بناؤه وإدارته بشكل صحيح.

 

المنهجية العلمية:

اتبعت في هذه الورقة المنهج الاستقرائي، والوصفي، والتحليلي؛ إذ هي المناهج الملائمة في كتابة مثل هذه الورقة؛ حيث قمتُ باستقراء كامل حول المشاريع الأسريَّة في العالم العربي والإسلامي - بقدر جهدي وما استطعت إلى ذلك سبيلاً -، مع الاطلاع الإحصاءات الممكنة، واطَّلعت على ما كُتِبَ في ذلك قديماً وحديثاً.

وقد حاولت جمع المادة العلمية من خلال:

  1. خبرات الآخرين التي استفدتها من القراءة لهم والمشاركة في نشاطاتهم.
  2. عدد كبير من الاستشارات الأسرية التي عاينتها وعالجتها.
  3. التجارب الشخصية والمشاهدات والمسموعات للماجريات الاجتماعية والتأهيل والإرشاد الأسري، سواء على الساحة الواقعية أو المنصات الإلكترونية والشابكة العنكبوتية.

فمن خلال تجربتي في تأهيل المقبلين على الزواج بين عام 2007م - 2024م، وذلك في فريق برنامج "الدورة التأهيلية للحياة الزوجية" - سوريا، و"مشروع البناء الأسري" - الجزائر، و"أكاديمية رفق للتأهيل الأسري" - الإلكترونية، لم تخلُ هذه التجارب من إنجازات ونجاحات، وواجهَت تحديات وعقبات، وحظيَت باهتمام إعلامي ورسمي وشبابيّ، وأثرَت لدي هذا التصور الذي يزيد مع الأيام رسوخاً في ضرورة التأهيل الأسري لاستدامةالزواج.

 

الإشكاليات:

 

الإشكالية الأولى: 

  1. أن الإحصاءات اليوم تشير إلى ارتفاع نسَب الطلاق والخلع، خاصة قبل الزفاف، وبين المتزوجين حديثاً. ولعل ما ورد في التقرير الاستطلاعي، وما أثبِتَ قبلَه في كتاب " حالة الزواج في العالم العربي" يغنيني عن التأصيل والتفصيل والاستدلال.
  2. وتشير - في الوقت نفسه - إلى أن البناء الصحيح للأسرة كفيل برفع الاستقرار الزواجي بنسب عالية (كما أوضح استبيان جمعية مودة السعودية([1])، وجمعية إعفاف القطرية([2])، وإعفاف السورية([3])، والتجربة الماليزية([4])...) وسأذكرها بشيء من التفصيل في الملحق (1).

والواقع يقول: إنه كل ما ازداد الفقر المعرفي بين الزوجين؛ ازداد الضغط النفسي في بيتهما، وكبُرت مشكلاتهما، نتيجة التصور الخاطئ للوقائع، وانعدام امتلاك الوسائل والمهارات للتعامل مع الاختلافات والتحديات والمشكلات.

ومن خلال عرض موجز لوضع الأسرة في العالم العربي اليوم؛ بهدف بيانِ حال الأسرة مؤخراً، وتموضعها على خارطة الحياة، والتحديات التي تواجهها حسب مؤشِّرات الإحصاء؛ يظهر ارتفاع:

  1. حالات الطلاق قبل الدخول.
  2. حالات الطلاق في السنة الأولى.
  3. حالات الطلاق عموماً.
  4. حالات الزواج في الظلّ (غير الرسمي).
  5. ولادات الأطفال مجهولي النَّسب.
  6. الأحداث المنزلقون نحو الجريمة.
  7. نِسَب انتشار العمالة بين الأطفال.
  8. نِسَب حالات العنف الأسري.
  9. نِسَب ارتفاع متوسط سنّ الزواج.
  10. نِسَب العنوسة القسرية

هذه أهمّ المخاطر والمآلات التي تنتظر الأسرة وتهدد استقرارها في حال استمرار غياب التأهيل الأسري الصحيح البنَّاء في المساحات التي تَعُدُّه ترفاً معرفياً، وتُخلي المساحة للتأهيل الأسريّ السَّلبي الهدَّام.

إن هذه الكوارث ليس لها طريق وقائي أقرب وأسلم من التأهيل الأسري!

 

الإشكالية الثانية:

عدم الشعور بالاحتياج للتأهيل الأسري لدى الجيل، مع أن الشباب اليوم يعاني من وجود فجوة حقيقية في الزواج تفصل بين التوقعات والوقائع، وذلك بسبب التصور المنقوص أو المغلوط عن الزواج، ولا بد أن نعترف - كعاملين في المجال الأسريّ - أنَّ ثقافة التأهيل الأسري هي ثقافة شبه منعدمة في مجتمعاتنا العربية عموماً، وإن وُجدَت فلا تكاد تخلو من ضعف؛ إذ يتقلب الكثير من الشباب في متاهات الجهل الأسري المركب، والتأهيل السلبي الذي يتلقاه من عدة جهات (إعلام، مجتمع، خبرات عائلية خاصة)، وإلى وقت ليس بالبعيد كان المجتمع والأسرة الممتدة والجار والمعلّم والمسجد... كلٌّ منهم يقوم بدوره التأهيلي الإيجابي، لكن اليوم تغير الحال بتغير العلاقات الاجتماعية وطبيعة الحياة الواقعية، فالذي يدخل إلى الحياة الزوجية من دون تأهيل أسري صحيح لا يدخل إليها بذهن فارغ؛ لأن المسكين ذهنه محشو بكثير من المعلومات الخطأ عن الزواج مفهوماً، ثم حين تحين ساعة الجدّ في الارتباط الأسري - بعد جولات ومغامرات عاطفية - يُقبل على الارتباط والالتزام من خلال الخطبة، ثم العقد، ثم الزواج، ويتعثر في كل هذه المراحل، ويحار في فهم ما هو صواب وما هو خطأ، وما هو حق وما هو واجب، ومع ذلك فإن الشاب والفتاة المقبلين على الزواج يخوضان غماره ويحرقان مراحله فيتصرفان باعتبار ما سيكون: فنرى العاشقين يتصرفان وكأنهما خاطبين، فإن وصلا إلى الخطبة تصرفا وكأنهما عاقدَين، فإن عقدا تصرفا وكأنهما زوجين، فإن تزوجا تصرفا وكأنهما مطلقين!

فالخلل يقع بدءاً من التعارف، ثم الخطبة، ثم العقد، ثم الزواج، ثم السنة الأولى، وقد يقع الطلاق والخلع، ولا يشعر أحدهما أو كلاهما باحتياجه لتكوين أسري يعينه ويدعمه ويعطيه الوقاية والحلول. ويمحو عنده الأمية الأسرية والتربوية؛ لأن تركيزه الأكبر يكون منصباً على إجراءات الزفاف وترتيب لوازمه، ولو أن الشباب والشابات يفكرون بحياتهم الزوجية ويخططون لها ويحسبون تفاصيلها كما يفكرون ويخططون ويحسبون ليوم الزفاف وحده؛ لرأينا أسرَهم اليوم بألف خير!

 

والسؤال: لماذا لا يفعلون ذلك؟

ربما السبب هو جدَّة هذه البرامج التأهيلية - نسبياً - في حياة المجتمع؛ مما دفع غرَّة أفراده لاستنكارها في بداية الأمر، ثم ألِفها الشباب ولكنهم يقلِّلون من أهميتها ولا يتوقعون مدى احتياجهم إليها، ولا يعون أهمية هذه البرامج التأهيلية بناءً على قناعتهم الخاطئة بمصادر المعلومات التي يتلقونها عن الحياة الزوجية.

يرافق ذلك عدم وجود توعية كافية من قبل الجهات الرسمية أو الجهات المعنية بالتوعية كالإعلام ومنظمات المجتمع المدني بأهمية هذه البرامج وضرورتها للشباب والشابات.

ويزيد الطين بلة اقتحام أنصاف المدربين وأشباه المرشدين (جماعة دورات الإرشاد الأسري التي تكون مدتها 6 ساعات، ينال شهادة، فيفتح مكتب استشارات، ويكتب على بطاقته التعريفية: الاستشاري الأسري الدولي!)؛ هؤلاء لهم أثر سلبي جداً في بعض المجتمعات.

ذلك الأثر يترافق مع أنصاف مشاريع، ففي دراستي التي أجريتُها على المشاريع الأسرية المعاصرة وأثرها على الأسرة؛ تبين لي أن هناك وفرة في المشاريع والجمعيات في الساحة العربية؛ غير أن تلك المشاريع في عامتها مشاريع فقاعية قصيرة النفس سريعة الزوال، وهي تشكّل عائقاً ضبابياً لرؤية غيرها من المشاريع الضخمة التي لم تأخذ حقَّها من الصدى في الساحة العربية، وربما ذلك يرجع لمجموعة أسباب؛ كضعف الموارد البشرية، أو المادية، أو ضعف التسويق، مع زحمة المفردات الأكثر جاذبية في الساحة الإعلامية، أو التركيز على الأثر الأرضي - الفاعلية على الأرض - دون الإعلام والتسويق.

هذا من جهة الشريحة الأولى التي لا تشعر بالاحتياج، لكن هناك شريحة ثانية تعي أهمية التأهيل الأسري وضرورته، لكنها تواجه مشكلة عدم القدرة على تخصيص الوقت اللازم للتأهيل الأسري، والذي غالباً ما يكون أياماً تدريبية تحتاج تفرُّغاً، وإن وجدت الوقت فلا تجد القدرة على دفع التكلفة المالية اللازمة للبرامج المتميزة، أو تجد في السوق برامج غير منهجية أو غير متخصصة، أو برامج تحتاج مسارات طويلة ومتعبة.

 

      الفرضيات:

فرضيات البحث هي الحلول الممكنة التي يفرضها الباحث للمشكلة بناء على الخلفية التي عنده حول الموضوع، وفي ظل ما تقدم أرى أن التأهيل الأسري ضرورة حتميَّة لحل الإشكالات الأسرية اليوم، لكن.. هل التأهيل الأسري كفيل بالتغيير؟

المنطق الواقعي يقول إنه ليس هناك وصفة سحرية للزواج الناجح، فالعملية التأهيلية لا تقدم أكثر من خطوط عريضة ومؤشرات عامة واختيارات متعددة تعين كلا الطرفين على فهم الذات، وتحديد الأولويات، واختيار الشريك، ثم فهمه، وإشباع احتياجاته، والتعايش معه والتوافق أو التكيّف بأفضل صورة ممكنة، من خلال تدريب المتأهلين على مهارات التواصل مع شريك الحياة؛ بناء على القيم الإنسانية العامة من الاحترام والتقدير وتحمل المسؤوليات وتبادل العواطف...

ولذلك، فالخضوع للبناء الأسري السليم والتأهيل الصحيح - إجمالاً - كفيل بإحداث شيء من التغيير الإيجابي المطلوب عند صدق النية والعمل الحثيث الصحيح، ويشهد لذلك حالات متعددة وخلاصات يؤكدها متخصصون، كالتي وردت في تحقيق أجرته "مجلة الرياض" على عينة من المقبلين على الزواج والراغبين في التأهل الذين قالوا: (إن جهلهم بمعارف الحياة الزوجية أو بعضها يوقعهم في مشكلات، ربما كان إحداها سبباً مباشراً أو غير مباشر للانفصال أو الدخول في حلقات من المشكلات الزوجية المتكررة)، وعند استقراء المتخصصين في التأهيل لمعلومات هؤلاء المقبلين والتي وردتهم من الأقران أو مواقع الشبكات؛ كانت لا تخلو من أخطاء فادحة ربما أدت إلى تدمير الحياة الزوجية([5]).

وأذكر مرة في حفل ختام دورة تأهيلية أقمتها في ولاية "المدية" الجزائرية، قام أحد الشباب وطلب أن يتحدث، وهو طالب دكتوراه تخصص لغات، فقال: يا دكتور أحمد، أنا وكثير من أمثالي نعدُّ أنفسنا مثقفين، لكن وبلا مبالغة، أكثر من 90% من المعلومات التي ذكرتَها لنا هي بين أمرين: إما لا نعرفها، فنحن نجهلها، أو نعرفها بشكل خاطئ يحتاج إلى تصويب وتصحيح حسب ما ذكرت! لقد تأخرتم علينا!

 

التجارب السابقة:

ومن أبرز التجارب والجهود المبذولة في إطار البناء الأسَري (تأهيل المقبلين على الزواج) على المستوى العربي:

  1. مصر
  2. قطر
  3. السعودية
  4. الأردن
  5. تونس
  6. الجزائر
  7. الإمارات العربية
  8. سلطنة عمان
  9. البحرين
  10. سوريا 
  11. ماليزيا

 

واختصاراً للوقت تجدون تفاصيلها مدرجة في الملحق (1) لهذه الدراسة (أبزر التجارب السابقة في التأهيل الأسري على مستوى الدول العربية).

 

الحل المقترح: أكاديمية إلكترونية للتأهيل الأسري:

بعد ذكر الإشكاليات والفرضيات والتجارب السابقة، أذكر الحل الذي أقترحه، وهو متضمن في عنوان مداخلتي: "برامج تأهيل المقبلين على الزواج والاستشارات الأسرية، ودعم استدامة الزواج".

أقترح إنشاء أكاديمية تعليمية تأهيلية إلكترونية دولية، تنتهج التعليم الذاتي، تستخدم برنامج البناء الأسري التربوي بطريقة تفاعلية، وهو برنامج منهجي شامل وعميق، ومقسّم إلى مستويات أقرَب ما تكون إلى المستويات الدراسية (مبتدئ، متقدم، خبير).

وقد وضعت له رؤية مفصلة مدرجة في الملحق (2) لهذه الدراسة (الحل المقترح: أكاديمية إلكترونية عربية للتأهيل الأسري)، يمكن الاطلاع عليها مكتوبة؛ وذلك اختصاراً لوقت المداخلة.

 

الخاتمة:

 

أهمّ النتائج:

1. إن صمام الأمان للأسرة الناشئة هو التأهيل الأسري، والتأهيل الأسري هو الحل لما تعانيه الأسرة العربية اليوم، وهو ضرورة ملحة لا تقبل التأجيل، وهذا التأهيل كفيل بإحداث شيء من التغيير الإيجابي المطلوب عند صدق النية والعمل الحثيث الصحيح من مختلف الشرائح المؤثرة في الفرد، وهي: (المنزل، والمدرسة، والمجتمع، والمسجد، ومؤسسات المجتمع المدني).

إن تأهيل المقبلين على الزواج تأهيلاً صحيحاً يضع مصلحة الأسرة قبل مجاملة المجتمع، ويضع الأسرة أمام الشاب والفتاة على طبق واضح، يعِيَان ما يحتاجانه، ويعرفان ما يتَّقيانه، ويدركان أثر بعض الأعراف الاجتماعية المنهكة لهما مادياً ومعنوياً.

التأهيل الأسري هو السبيل المباشر للوصول إلى عقول الشباب، وتبيين الحقائق لهم، ورسم الطريق الأيسر بينهم وبين بيوتهم المستقبلية؛ والذي يغنيهم عن اتباع سبل أخرى موروثة أو مستوردة أو مولَّدة، وتزويدهم بالقناعات اللازمة لمواجهة الضغط الاجتماعي الضارّ، مع تفنيد القناعات المغلوطة وغرس الأفكار الصحيحة الكفيلة بدحر الخرافات التي تستند إليها كثير من العادات والسلوكات.

2. إن إلزامية التأهيل الأسري غير مفعَّلة في كثير من الدول العربية، ولكنها قيد الدراسة والبحث الجاد في عدد من الدول، ولا تزال المبادرات الحكومية الرسمية في معظم الدول العربية مبادرات تأهيلية خجولة، لا ترقى إلى مستوى الاحتياج، ولا تقف بجدية للتصدي لمختلف التغييرات والتحديات والمخاطر التي تكتنف الجيل وتدكّ الأسَر، وربما ستشهد السنوات القليلة القادمة تفعيلاً لها وتغيراً ملموساً يليها في أحوال الأسرة العربية إن شاء الله تعالى.

التوصيات:

1. العمل على احتضان ورعاية المشاريع التأهيلية الأسرية بصورة رسمية، حتى يؤتي التأهيل الأسري أكله.

2. العمل على رفع سوية الوعي لدى الشباب بأهمية البرامج الأسرية وضرروتها للمقبلين على الزواج اليوم.

3. العمل على رفع سوية الوعي لدى المتزوجين بأهمية اللجوء إلى الاستشارات الأسرية في مراحل البناء وعلى طول عمر العائلة.

4. العمل على إنشاء منصات للتعريف والتشبيك بين المشاريع التنمويَّة الأسريَّة الفاعلة اليوم على الساحة الاجتماعية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، فإنما تراها كاللآلئ المنثورة؛ لا يَنظُمها عِقد ولا يلمُّ شعثَها نِظام ولا يجمَعُها جامع أو يمنع شتاتها مانع.

5. دعم المؤسسات الاجتماعية للزواج الجماعي، بشرط الخضوع للتأهيل الأسري، ودمج الدعم المادي بالدعم المعرفي.

6. مبادرة الأولياء وكبار القوم لإعادة صياغة عادات الزواج، وتسليط الضوء إعلامياً على ذلك.

7. تبنّي المقترح المتقدم بإنشاء أكاديمية تعليمية تأهيلية إلكترونية عربية، وأنا مستعد لأي إضافة أو بيان متعلق به، ولن أدّخر جهداً ولا آلو اجتهاداً في ذلك.

 

د. أحمد زين الدين رباح

02 / 07 / 2024م

القاهرة - مصر

 

*       *      *

 

([1]) أوضحت الدراسات الاستقصائية في جمعية المودة للتنمية الأسرية (السعودية - جدة) القائمة ببرنامج تدريب المقبلين على الزواج أنَّ نسبة الطلاق لدى الشباب الذين خضعوا لبرنامج التأهيل للزواج منخفضة بشكل كبير جداً؛ حيث بلغت (1.7%)، مقابل أنَّ (98.3%) من الشريحة نفسها يستمتعون بحياة أسرية مستقرة، ونسبة 87% يرون زواجهم ناجحاً، ونسبة 94% ممن خضعوا للتأهيل الأسري ينصحون غيرهم - وبشدَّة - بدخول الدورة التدريبية قبل الزواج. وذلك حسب دراسة استطلاعية أجرتها جمعية المودة للتنمية الأسرية في منطقة مكة المكرمة على المتدربين عندها بعنوان: (فاعلية برامج التأهيل الأسري بجمعية المودة للتنمية الأسرية)، ونشرتها في موقعها الرسمي almawaddah.org.sa

([2]) كما أكد الدكتور يحيى حمد النعيمي مساعد المدير التنفيذي للقطاع الداخلي بمؤسسة "راف" في الاحتفال بختام مشروع "إعفاف 7" الذي أطلق عام 2020 أن 97% من الزيجات التي تمت في مشروع "إعفاف"، والتي بلغت 1000 زيجة، كانت زيجات ناجحة. ينظر موقع: وكالة الأنباء القطرية، مؤسسة راف تحتفل بختام مشروع إعفاف في نسخته السابعة.

([3]) في مقابلة شخصية ذكر د. محمد هاني الشعال مدير مركز إعفاف في دمشق أن مركزهم قام بدراسة على المستفيدين من دوراته، أظهرت أن نسبة الاستقرار الزواجي للمتأهلين في المركز قد بلغ 90%، ومنهم 10% يعانون بعض الخلافات والمشكلات تتخللها حالات طلاق؛ علماً أنّ المركز يوجِّه متدرِّبيه إلى أن يجعلوا المركز مرجعاً لهم وحضناً آمناً لمعالجة مشكلاتهم، ومن ذلك خرجت النسبة السابقة - حسب مراجعات قوائم المنتسبين المتأهلين، ولفت إلى أن الدراسة تقريبية.

([4]) فبعد أن بلغت نسب الطلاق في ماليزيا نحو 32% في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، اهتدت الحكومة إلى فكرة إنشاء مراكز خاصة لتأهيل المقبلين على الزواج، وتقوم هذه المراكز بإعطاء دورات خاصة تقدم بعدها للمشاركين "رخصة زواج"، مما أسهم في انخفاض نسبة الطلاق إلى 8% فقط في عام 2000م. ينظر: سناء نصر الله-كوالالمبور في ماليزيا.. حلول مبتكرة لمشكلة الطلاق، مقال منشور على موقع الجزيرة، في 20/02/2019م.

([5]) صحيفة الرياض 2 أبريل 2011م - العدد (15622)، والنسخة موجودة في موقعها الإلكتروني alriyadh.com.