-تعريفها:
هي المماثلة والمقاربة في التدين والحال.
-اعتبار الكفاءة في النكاح:
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه يجب اعتبار الكفاءة في الزواج، فيجب تزويج المرأة من الأكفاء، ويحرم على ولي المرأة تزويجها بغير كفء، فالكفاءة معتبرة في النكاح لدفع العار والضرار.
-الحكمة من اعتبار الكفاءة:
الزواج هو اقتران أسرةٍ بأسرة، وليس مجرد اقتران شابٍ بفتاة، وإنما شُرِع الزواج لتأسيس القرابات الصهرية، ليصير البعيد قريباً عضداً وساعداً، يسرُّه ما يسرُّ أهل زوجته، ويضرُّه ما يضرهم، وبالعكس، وهذا لا يكون إلا بالموافقة والتقارب بين الأسرتين والزوجين، ولا يمكن تحقيقه إذا تنافرت النفوس لاختلال الكفاءة وتباين الفروق على المستوى الشخصي للزوجين، أو على المستوى الأسري لكل منهما.
-الفرق بين الكفاءة والتفاضل:
انعدام الكفاءة بين الزوجين لا يعني أبداً أن الأدنى منهما أقل شرفاً عند الله ومرتبة من الأخر -مالم يكن انعدامها من جهة الدين-، فإن الله تعالى يقول: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].
ويقول صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى» [أحمد].
-اعتبار الكفاءة في الرجال وحسب:
ذهب الفقهاء إلى أن الكفاءة تعتبر في جانب الرجال للنساء، ولا تعتبر في جانب النساء للرجال، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا مكافئ له، وقد تزوج من أحياء العرب، ورغب في أن يعلِّم الرجل أمته، ويؤدبها، ويتزوجها، فيكون له أجران، ثم إن الشريفة تأبى أن تكون فراشاً للدنيء، أما الزوج فلا تغيظه دناءة الفراش، وكذلك فإن الولد يشرف بشرف أبيه لا بأمه.
-هل يجوز للمرأة القبول بالفاسق زوجاً:
يمنع تزويج المرأة من الفاسق وإن كان يؤمن عليها منه، وليس لها ولا للولي الرضا به؛ لأن مخالطة الفاسق ممنوعة، وهجره واجب شرعاً، فكيف بخلطة النكاح؟!
-هل تعتبر الكفاءة شرطاً لصحة النكاح؟
تعتبر الكفاءة للزوم النكاح لا لصحته، فيصح النكاح مع فقدها؛ لأنها حق للمرأة وللأولياء، فإن رضوا بإسقاطها فلا اعتراض عليهم، فقد زوَّج صلى الله عليه وسلم بناته ولا أحد يكافئه، وأمر فاطمة بنت قيس -وهي قرشية- أن تنكح أسامة بن زيد -مولاه-، وزوَّج زيد بن حارثة ابنة عمته زينب بنت جحش الأسدية.
-وقت اعتبار الكفاءة:
ذهب الجمهور (الحنفية والشافعية والحنابلة) إلى أن الكفاءة تعتبر عند عقد النكاح، فلو كان الزوج عند عقد النكاح مستوفياً لخصال الكفاءة ثم زالت هذه الخصال أو اختلت، فإن العقد لا يبطل بذلك.
-الحق في الكفاءة:
ذهب الفقهاء إلى أن الكفاءة حق للمرأة وللأولياء معاً؛ لأن المرأة لها الحق في أن تصون نفسها عن ذل الزواج بمن لا يساويها في الكفاءة، أما الأولياء فإنهم يتفاخرون بعلو نسب الختن، ويتعيرون بدناءة نسبه، فيتضررون بذلك، فكان لهم أن يدفعوا الضرر عن أنفسهم.
-خصال الكفاءة:
(الدين، والنسب -أو الحسب-، والحرفة، والحرية، والمال، والسلامة من العيوب المعتبَرة)، وللفقهاء في هذه الخصال تفصيل وخلاف.
1)الدِّين:
وهو المماثلة والمقاربة بين الزوجين في التدين بشرائع الإسلام، والصلاح، والعفاف، والكف عما لا يحل، وعدم الفسق،ولا تعني الكفاءة في الدين المماثلة في مجرد أصل الإسلام. هذا وإن الفاسق كفء للفاسقة إلا إن زاد فسقه أو اختلف نوعه عنها.
2)النسب:
وهو من الخصال المعتبَرة في الكفاءة عند الحنفية، والشافعية، والحنابلة، لقول عمر رضي الله عنه: (لأمنعنَّ فروج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء، قيل: وما الأكفاء؟ قال: في الأحساب).
وقال مالك رحمه الله: (أهل الإسلام كلهم بعضهم لبعض أكفاء).
وقال الثوري: (لا تعتبر الكفاءة في النسب؛ لأن الناس سواسية بالحديث)، ولعل قول مالك فيه سعة وقرب.
3)الحرية:
لا يكون العبد كفؤاً للحرة ولو عتيقة؛ لأنها تتعير به، وهذا الأمر قد مضى ولله الحمد.
4)الحرفة:
وهي ما يُطلب به الرزق من الصنائع وغيرها، والحرفة الدنيئة ما دلَّت ملابستها على انحطاط المروءة وسقوط النفس، كملابسة القاذورات، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى اعتبار الحرفة في الكفاءة في النكاح، لقوله تعالى: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} [النحل: 71]، أي في سببه، فبعضهم يصل إليه بعز وراحة، وبعضهم بذل ومشقة؛ ولأن الناس يتفاخرون بشرف الحرف ويتعيرون بدناءتها، وهذا ظاهر في يومنا بين المهن كالقضاء والتعليم والتجارة والطب والهندسة... إذا قورنَت بغير ذلك كالمهن التي فيها ملابسة للأوساخ والنجاسات.
فلا يكون الرجل صاحب الصناعة أو الحرفة الدنيئة أو الخسيسة كفئاً لبنت صاحب الصناعة أو الحرفة الرفيعة أو الشريفة، أو تكون هي صاحبة الحرفة الرفيعة، هذا وتثبت الكفاءة بين الحرفتين في جنس واحد، وتثبت عند اختلاف جنس الحرفة إذا كان يقارب بعضها بعضاً، والاعتبار كائن بالعرف العام لبلد الزوجة.
5)اليسار -المال-:
الناس أصناف: غني وفقير ومتوسط، وكل صنف أكفاء وإن اختلفت المراتب، وليس الفقير كفئاً للغنية؛ لأن على الموسرة ضرراً في إعسار زوجها لإخلاله بنفقتها ومؤنة أولادها، ولأن ذلك معدود نقصاً في عرف الناس، والمعتبر في اليسار القدرة على مهر الزوجة والنفقة، وقال بعضهم: المكافأة باليسار كثرة وقلة.
6)السلامة من العيوب:
والمقصود بها العيوب المثبتة لخيار فسخ النكاح، كالجنون أو البرص، فلا يكون صاحبها كفؤاً لسليمة عنها؛ لأن النفس تعاف صحبة مَن به ذلك، ويختل به مقصود النكاح.
-تقابل خصال الكفاءة:
نص الشافعية على أن بعض خصال الكفاءة لا يقابَل ببعض في الأصح، فلا تجبر نقيصةٌ بفضيلة، أي لا تزوَّج عفيفة رقيقة بفاسق حر، ولا سليمة من العيوب دنيئة بمعيب نسيب...
لا تؤثر في الكفاءة غير خصال الكفاءة التي سبق ذكرها، كالكرم وعكسه، واختلاف البلد، ونحو ذلك؛ لأنه ليس بشيء.
-كفاءة الدميم للجميلة:
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الجمال ليس من الخصال المعتبرة في الكفاءة للنكاح، وهذا لا يعني إسقاط حق المرأة من ردِّ الدميم؛ لأن عفَّتها بالزوج شطر قصد الزواج، ولا يصحُّ إهمال ذلك.
-كفاءة الجاهل للعالمة:
الرجل الجاهل ليس كفئا للعالمة؛ لأن العلم في الأب معتبَر، فاعتباره في المرأة نفسها أولى. ذكره بعض الشافعية ورجحوه.
-كفاءة القصير لغير القصيرة:
الطول أو القصر لا يعتبر في الكفاءة للنكاح؛ لأنه ليس بشيء، وهو فتح لباب واسع، لكن إذا أفرط القصر في الرجل ففيه نظر، ولا يجوز للأب تزويج ابنته بمن هو كذلك، فإنه ممن تتعير به المرأة، مالم تكن راضية.
-كفاءة الشيخ للشابة:
ذهب الشافعية إلى أن الشيخ كفء للشابة، لكن ينبغي مراعاة ذلك عند الزواج، لأن عفتها بالزوج ضرورية.
-ادعاء المرأة كفاءة الخاطب:
إذا ادعت المرأة كفاءة الخاطب وأنكرها الولي رفع الأمر إلى القاضي، فإن ثبتت كفاءته ألزمه تزويجها، فإن امتنع زوجها القاضي به، وإن لم تثبت كفاءته فلا يلزمه تزويجها به.
ختاماً:
يصح النكاح مع فقد الكفاءة؛ لأنها حق للمرأة وللأولياء، فإن رضوا بإسقاطها فلا اعتراض عليهم، وليس لهم إسقاطها إن كان الخلل في الدِّين، والصفات التي لم ترد في الكفاءة لا يعني ذلك انعدام قيمتها وخطأ النظر بها عند النكاح، بل ينبغي مراعاة ذلك عند الزواج، لأن عفة كل من الزوجين بالآخر أهم مقاصد النكاح([1]).
والله تعالى أعلم
([1]) [مصدر المادة: الموسوعة الفقهية الكويتية، بتصرف].