تعلقت بها ولا أستطيع أن أتزوجها
1003 - السلام عليكم
لن أطيل عليكم
أنا شاب، تعلقت بفتاة ولا أستطيع زواجها بسبب الدراسة وأيضاً بسبب انعدام الإمكانات في الوقت الحالي ، فاتفنا أن نبقى على التواصل ضمن حدود الشرع نطمئن على بعضنا ونراجع دروسنا ثم نتزوج بعد التخرج . لكني لا أشعر أن هذا حلال
فما رأيك ولك الشكر
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أهلاً بك أخي في موقعك، ونسأل الله تعالى أن يقسم لك فيه الخير وللمسلمين
أخي الحبيب:
الحب.. ستار عظيم، جميل وخيم، لطالما غطى الحلو والمر، والحسن والقبيح، واستترت به الأقذار لتخدع الأخيار، فاشتملت على آهات وزفرات، وويلات وحسرات، ودموعٌ وعبرات، ونُحرت تحت ظله الفضيلة وانتصرت الرذيلة، وضاعت القيم، ووئد العفاف، واغتيلت الكرامة. ولك أن تراجع مقالة (الحب.. بين الفضيلة والخطيئة) المنشور على موقعنا
على الجانب الآخر فقد أمرنا الله تعالى بنوع سامٍ من الحب، وقد ذكر القرآن الحب قريباً من مئة مرة، وذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه مئات أخرى، وإن أكبر فاجعة يصاب بها المجتمع الإسلامي هي فتور أمثال هذا الحب الرفيع المقدس في قلوب المسلمين نحو ربهم ونبيهم وإخوتهم وأسَرهم، لتحل مكانه البدائل الشرقية أو الغربية, عندها سيخبو بريقُهم, وتطفأ جذوتهم، وتضيعُ مبادئهم, ومن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير يقال له: اهبطوا .....!.
أقول لك أخي:
لقد أخطأت بالتواصل مع هذه الفتاة، حتى لو كان الأمر مجرد مراجعة نقاط دراسية، لماذا لا تراجع الفتيات بعضهن ويراجع الشباب بعضهم؟ إذا لم يُفتح هذا الباب المشؤوم بين الجنسين -والذي هو باب ظاهره فيه الرحمة وباطنه فيه العذاب- إذا لم يُتَح هذا الباب بينهما ويسبَل عليه أعذار واهية كيف سيتغلغل الشيطان بين شباب الجيل؟!
لا بد أن تعلم أن ما أنت فيه هو بدايات لعلاقة محرمة، لن تتوقف عن التطور ما لم تحمل لها لواء الجد، قد يخيل لك الشيطان ضرورة المتابعة في هذه العلاقة والتعلق حفاظاً على مشاعر الفتاة، أو حالتها الصحية أو النفسية، وهذا من الأساليب الشيطانية المفضوحة والمتكررة، وصدقني هذا العذر ليس مقبولاً بين يدي الله، فنبيك صلى الله عليه وسلم أوصاك أن تحرص على ما ينفعك، خاصة إذا كان هذا النفع ضمن دائرة الواجب عليك كخروجك من الحرام في هذه المسألة.
جاء في "جامع الترمذي" قصة عَنَاق مع مرثد، كان رجلٌ يقال له: مرثد بن أبي مرثد، وكان رجلاً جلداً يحمل الأسرى من مكة حتى يأتي بهم المدينة قال: وكانت امرأةٌ بغي بمكة يقال لها: عَنَاق, وكانت صديقة له، وإنه كان وعد رجلاً من أسارى مكة يحمله، قال: فجئت حتى انتهيت إلى ظلِّ حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة, قال: فجاءت عَنَاق فأبصرت سواد ظلي بجنب الحائط فلما انتهت إليّ عَرَفَتْنِي فقالت: مرثد؟ فقال: مرثد، فقالت: مرحباً وأهلاً، هلمَّ فَبِتْ عندنا الليلة، قلت: يا عَنَاق، حَرَّم الله الزنا, قالت: يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم، قال: فتبعني ثمانية، فهربت منهم حتى قدمت المدينة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله, أنكحُ عناقاً, فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يَرُدَّ علي شيئاً حتى نـزلت: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور:2].فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا مرثد, الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة, والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك, فلا تنكحها».
أياً يكن تعلق سيدنا مرثد بها، وأياً يكن تعلقها به، فالشرع فوق كل فلسلفة، نزل القرآن من السماء ينهى هذا الشاب عن الخوض فيما حرَّم الله عليه، فاحذر يا أخي أن يهون الحرام عليك تحت ضغط أعذار لا تسمن ولا تغني من جوع.
وسائل تساعدك على هذه الخطوة:
طبعاً هناك وسائل كثيرة يُنصح بها كل من يعزم على الالتحاق بجادة الصواب، وقطع العلاقة المحرمة، ثم نسيانها بعد قطعها، ولكن قبل ذلك لابد أن تعلم -أخي- أن مسألة قطع العلاقة من غير ألم أمر صعب ولكنه ليس مستحيلاً، والنسيان يحتاج إلى وقت ويكون أصعب لو كان عمر العلاقة طويلاً.
ولا بد أن تعلم أيضاً أن هذه الفتاة إن كانت جيدة واعية صالحة مناسبة كزوجة، وكانت ظروفك الآن -وليس بعد سنوات- تساعدك على الزواج فالزواج هو الحل الأفضل والأمثل للمتحابين، فقد جاء في الحديث: (لم يُرَ للمتحابيَّن مثلُ التزويج(، لكن إذا كانت المعطيات تقول بأن هذا الزواج غير ناجح وأن هذه الفتاة غير مناسبة، أو أن الوقت الآن غير مناسب للزواج لك أو لها أو لكما معاً فعندها يجب كبح جماح النفس عن هواها، ضمن هذه الخطوات:
- أول ما يجب عليك أن تتخد قراراً بترك العلاقة ونسيانها، فهذا نصف الطريق، ولربما حدثتك نفسك مراراً بقطع هذه العلاقة، لربما تمنيت فعلاً لو لم تتعرف على هذه الفتاة، لكن كل ذلك لم يكن إرادة حقيقية، لم يكن قراراً حاسماً، بل أماني وأوهام، وهنا أنا أتحدث عن قرار حاسم، تنوي فيه التوبة إلى الله تعالى، تقلع فيها عما أنت فيه، وتندم على ما كان منك، وتعزم على عدم العودة يقيناً إلى هذا الحال، ثم تفكر بالخطوات اللازمة لتطبيق هذا القرار.
- وقد يساعدك قطع العلاقة إلغاء وسائل التواصل مع من ترغب بنسيانها، مثل مسح رقم الهاتف أو إلغاء الصور الشخصية أو إلغاء حساب التويتر أو الفيس، أو حتى تغيير الطريق الذي تراها فيه عادة، أو عدم زيارة الأماكن التي اعتدت أن تراها فيها.
- وهناك أمر مهم أيضاً، وهو أن تصارحها بقطع العلاقة وأنت حازم في اتخاذ القرار وإن كان في ذلك حرجا عليك إن ضمنت عدم ضعفك وعودة المياه لمجاريها السابقة، ولكن ألم المصارحة خير من ألم الظن بالاستمرار من طرفها، وكما يقولون: الحق المر أهون ألف مرة من الوهم المريح.
وكن واضحاً معها بالسبب، ولا تؤملها بقادمات الأيام أن يتغير الحال، ولا تبرر موقفك إلا إذا رأيت في ذلك مصلحة كأن خشيت أن تنقلب عليك أو تستخدم نفوذ أبيها أو أخيها لتسيء إليك، وابتعد عن التشهير بها أو تشويه سمعتها أو إفشاء سرها بعد قطع العلاقة فليس ذلك من مكارم الأخلاق.
- ولا بد في هذه المرحلة أن تسعى لإيجاد البديل في العلاقات والصداقات الصالحة والطيبة.
- اعمل على تغذية روحك بجميل الصلة بالله، يقول ابن القيم في زاد المعاد: (وعشقُ الصُّوَر إنما تُبتلى به القلوبُ الفارغة مِن محبة الله تعالى، المُعْرِضةُ عنه، المتعوِّضةُ بغيره عنه، فإذا امتلأَ القلبُ من محبة الله والشوق إلى لقائه، دفَع ذلك عنه مرضَ عشق الصور، ولهذا قال تعالى في حقِّ يوسف: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24]، فدلَّ على أن الإخلاص سببٌ لدفع العشق وما يترتَّبُ عليه من السوء والفحشاء التي هي ثمرتُه ونتيجتُه). ا.هـ.
- ثم احرص على أن لا تفكر بالماضي بعد تركها، وإذا راودتك الذكريات القديمة حاول أن تشغل نفسك بالمفيد من عمل أو رياضة أو قراءة أو أي نشاط حركي حتى لا تتذكرها.
- كما يساعدك في نسيانها أن تعتبرها تجربة في الحياة تستفيد منها وتضاف لتجاربك الكثيرة أو أن تنظر إليها على أنها من أقدار الله وفيها خير كثير، وعند أهل البادية مثل يقول (إذا طار طيرك قول سبيل) يعني إذا فقدت طائرا أنت متعلق به بعدما علمته ودربته فقل سبيل أي أنك نويت فقده (في سبيل الله) حتى تأخذ على الفقد أجراً وهذا أسلوب ذكي في تسلية النفس بالفقد.
- وتتوج ذلك بأن تكون واثقاً بالله تعالى أنه سيعوضك خيراً من هذه العلاقة المؤلمة أو الخاطئة بعلاقة أخرى أفضل وأحسن فمن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
- ومن الأفكار التي تساعدك -وقد تحتاجها أحياناً تغيير مكانك أو بيئتك مؤقتاً، فمثلاً إن كانت الفتاة في الجامعة لا يمنع أن تجتهد باجتناب حضور المحاضرات التي تكون فيها، والاستعاضة عن ذلك بزملائك وكراساتهم وتسجيلاتهم، وإن كان ذلك صعباً فمن حقك على نفسك أن تقدم طلب توقيف دراسي لجامعتك -إن كان هذا متاحاً- أو تخسر سنة وتكسب عمرك وقلبك وعلاقتك مع ربك، وطبعاً هذا القرار يكون في مراحل متقدمة حين لا تنفع الأدوية الأخرى.
- ومن الأفكار التي تساعدك كذلك أن تنمي هواياتك وتخذ هذه الحالة فرصة لتجدد حياتك وتكسر روتين يومك وتشارك في البرامج الترفيهية والثقافية وتخطط لرحلة سياحية وتضع خطة لمستقبلك وتكمل تعليمك، فالإنسان -كما تعلم-: عقل يفكر، وقلب يحب، وجسد ينمو، وروح تحلِّق في عالم الصفاء.. ولكل من هذه الأجزاء دوره في حياة المرء، وأي خلل يطرأ إلى أحدها يؤثر على الباقي، لذلك على الإنسان أن يجتهد للعيش متوازناً ما استطاع، ولعل ميله إلى ما أصابه في الجانب العاطفي يؤثر على باقي أنشطته فلا بد أن يعين نفسه بخلق نوع من العطاء في الجوانب الأخرى، فأحياناً تميل النفس إلى أحد هذه الجوانب على حساب الأخرى، ربما لأنها تجد فيها الراحة والسعادة التي تسعى إليها دائماً، لكن التوجيه الشرعي يقول: (أعط كلَّ ذي حق حقه)، وهذه المرحلة مفيدة جداً لإعادة خلق التوازن لديك.
-أشغل نفسك بالعمل الخيري والنشاط التطوعي فنفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.
- واحرص على أن لا تتحدث مع الآخرين عن علاقتك القديمة حتى لا تثير عواطفك فتشتاق للماضي.
- وأكثر من الاستغفار، فالاستغفار يفرج الهم ويزيل الغم، خاصة إن كنت قد فعلت معها أمراً محرماً، فاستغفر الله وأكثر من الطاعات.
- ادعُ الله أن يخرج من ترغب بقطع العلاقة معها من قلبك، فالقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلِّبها كيف يشاء.
- تذكر أن قطع العلاقة ليست هو نهاية الحياة، وكثير من الشباب مروا بما مررت به، ودارت الأيام وتعافت قلوبهم بشكل كامل، وعادت همتهم ونشاطهم الحياتي كما كان سابقاً، أو حتى أفضل مما كان.
وربما تأتيك وساوس بأن قطع العلاقة تعني العزلة عن الحياة فهذا ظن غير صحيح بل من كان غنيا بالله أغناه الله عن الخلق فكن مع الله يكن الله معك.
باختصار:
اتخد قرارك، ولا تفكر بالماضي، ولك أن تعتبرها تجربة في الحياة يمكنك الاستفادة منها، وقم بإلغاء وسائل التواصل، ولا بأس أن تصارحها بقطع العلاقة وأنت حازم إن ضمنت عدم ضعفك وعودة المياه لمجاريها السابقة، واسعَ لإيجاد البديل في العلاقات والصداقات الصالحة والطيبة، واثقا بالله تعالى أنه سيعوضك، واصرف وقتك في تنمية هواياتك واتخذ هذه الحالة فرصة لتجدد حياتك، وتخطط لرحلة سياحية وتضع خطة لمستقبلك وتكمل تعليمك، وقد ينفعك تغيير مكانك أو بيئتك مؤقتاً، ثم بعد ذلك لا تتحدث مع الآخرين عن علاقتك القديمة، وأكثر من الاستغفار والدعاء.
سألت الله تعالى لك معونة من لدنه وفضلاً
والله تعالى أعلم