هل سبق لك أن لاحظت بأن الحديث الأكثر تداولاً بين السائقين والركاب في وسائل النقل العامة هو انتقاد السائقين لمن يقاسمونهم ذاك الطريق، والذي كلَّما انطوى تحت مركباتهم انطوت بين جنباته عشرات الانفعالات والمهاترات والمشاحنات وحتى.. الاشتباكات الجسدية!

ألا تلاحظ أنه من النادر أن تشارك أحدهم في مركبته وتنزل قبل أن تستمع جملة من ملاحظاته على قيادة الآخرين.. وذوقياتهم.. وضعف خبرتهم في ميدان قيادة المركبات..؟!

ألا يعجز القانون الذي يتكلم بالحقوق والواجبات، ويستعمل سلاح المخالفات، عن إجبار السائقين على التزامهم بذوقيات القيادة؟

هل يمكن أن نرى الذوق في شوارعنا يوماً هو الرادع وليس تلك الخوذة البيضاء التي تلمع تحت ضوء الشمس؟!

(قد يهمك: الذوق.. أناقة الروح)

 

إن شوارعنا اليوم تفتقر لمشاهد تسقى بماء الأخلاق وتحف بها نسمات الذوق...

هذا.. يوقف سيارته في مكانٍ يؤذي الآخرين ولا يبالي!

وآخر.. يستأثر بالطريق دون غيره، لا يسمح للكبار والضَعَفَة والأطفال بالمرور قبله!

ثالث.. لا يبالي بتعاليم المرور العامة، ولا بأصول القيادة.

ورابع.. يزعج الناس بصوت مسجل السيارة العالي أو بصوت البوق في وقت متأخر من الليل أو أول الصباح.

خامسهم.. إذا مرَّ بحفرة ماء لم يتورع أن يؤذي المارة بالماء المتناثر من إطارات سيارته.

 

 

وسادسهم.. يجارِي السفهاء في الطريق، يتصدى لسيئهم بسيء القول، ويبادر المؤدب منهم ليرى ترفعه عن الرد إقراراً بالذنب.

كل هذا مخالف للخلق مصادم للعُرفِ السليم!

 

أولاً: القيادة أخلاق:

يقولون: (القيادة فنٌّ وذوق)، ويمكنك أن تضيف لهاتين الصفتين مئات الصفات التي تفتقر لها قيادة السيارة، فيكون لكل حالة خلقاً خاصة بها..

يمكن أن تقول: القيادة تواضع.. لأولئك الذين يتعاملون مع الناس بحسب نوع السيارة التي يركبونها وقيمتها، وكأنه ينتظر ممَّن يقود سيارة أقل ثمناً من سيارته أن يفسح له المجال ويعطيه الأولوية ويرفع له القبعة، وكأن القيمة في الطرقات تعطى للسيارات الفارهة وليس لإنسانية مَن يقودها!

 

ويمكن أن تقول: القيادة إيثار.. لأولئك الذين يمشون في طريق رئيسي، ويرون سيارة تقف على الطريق الفرعي تنتظر من يتفضل ويسمح لها بالاندماج ضمن الطريق الرئيسي، لكن أصحاب السيارات -وبسلوك اجتماعي متناغم ضمن برمجة مجتمعية مستقرة في اللاوعي- يرصُّون السيارات على بعضها، ليبقى ذلك المسكين في خانة الانتظار حتى يفتح له القدر فتحة الخروج! أو يأتي إنسان على ذوق؛ ذاق وعرف طعم السعادة والفرح حين يخفف سرعته، ويشير إليه بالضوء ليخرج من الطريق الفرعي ويدخل في الطريق الرئيسي، مبتسماً مشيراً بيده بالشكر والامتنان..

من ذاق هذا الطعم على حقيقته هو من يفسح المجال لغيره.

 

ويمكن أن نقول: القيادة مسؤولية.. فعندما تمرُّ بحادث سير، أو تضرب -خطأً- سيارةً ما في الشارع، أو شخصاً ما، ويكون المجال أمامك مفتوحاً للمضي دون الاكتراث بمن تضرَّر أو تحمُّل مسؤولية الخطأ، لكنك مع ذلك تحمِل مسؤولية إسعاف ركَّاب السيارة التي تعرضت لحادث، أو تنزل إلى السيارة التي صدمتَها، وتضع ورقة مكتوباً عليها اسمك ورقم هاتفك، مع اعتذار لطيف، وتطلب من صاحبها الاتصال بك لتتحمَّل كلفة إصلاح السيارة نتيجة خطئك أنت..

كم سمعنا عن سائقين يصدم بسيارته طفلاً أو امرأة أو رجلاً كبيراً أو حتى شاباً ثم يمضي مسرعاً قبل أن يَحصُل أحدُ مَن شاهد الحادث على رقم لوحة سيارته، غير آبه بما أصاب هذا الإنسان جرَّاء صدمته!

 

ويمكن أن نقول: القيادة أخلاق.. حين تترفع عن سوء خلق سائق يُنزل زجاج نافذة سيارته ويخرج رأسه ليُسمِعك أقذع العبارات، أو يشير إليك بأصابعه بحركة مؤذية، لكنك تتمتع بأخلاق تمنعك من الهبوط إلى مستوى الرد!

 

 

إذا نطق السفيه فلا تُجِبْه      ...     فخيرٌ من إجابته السكوتُ

 

ويمكن أن نقول: القيادة حياة.. فعلاً: أنت عندما تقود سيارتك في الشارع فأنت في حياة متكاملة؛ يشاركك تفاصيلها أفراد آخرون، وهذا يعني أنك:

  • لستَ وحدك في الطريق.. فتذهب يمنة ويسرة كما أحببت دون المبالاة بمن يشاركك الشارع!

  • لستَ وحدك في الطريق.. لتمشي على السرعة التي تحبّ، فإن أبطأتَ أزعجتَ مَن خلفَك، وإن أسرعتَ أردتَ من الجميع أن يراعي سرعَتك ويَحذَرها ويَفسح لك الطريق لتطير!

  • لستَ وحدك لتنعطف دون إشارة لمن خلفك تُعلِمه بأنك ستنعطف!

  • لستَ وحدَك لتقف فجأة في وسط الطريق، دون أن تشغِّل الضوء البرتقالي المتقطع ليَعرف مَن وراءك بأن ثمَّة شيء مهمٌّ دعاك للوقوف! 

 

 

  • لستَ وحدَك لتوقِف سيارتك في وسط الطريق إذا مسَّها أحد، فيوقف هو سيارته أيضاً، وتقطعان الطريق غير آبهَين بالبشر حولكم! قف على جانب الطريق، وتحدث ما شئت وطوِّل ما شئت!

  • لستَ وحدك لتمضي في الشارع دون اهتمام بالمارَّة إذ يقطعون الطريق، أو بالأطفال إذ يعبَثون حول سيارتك! إن التكبر على المشاة خُلقٌ يعرِّض صاحبه لزوال نعمة المركبة التي فضَّله الله بها على غيره!

 

ويمكن أن تقول: القيادة تعاون: وذلك حين ترى سيارة معطَّلة على جانب الطريق، يشير لك سائقها بحاجته للماء، أو للرافعة الصغيرة لتغيير العجَلة، أو لعلَّه يحتاج سلكاً أو مفتاحاً أو شيئاً بسيطاً يُخرجه مما هو فيه، أو حتى أحياناً يكون عنده مشكلة أكبر من ذلك فيحتاج لمن يمدُّ له يد العون، أو يخدمه حتى باتصال...

وقد روي في الأثر: (من حُسن المماشاة أن يقف الأخ لأخيه إذا انقطع شَسعُ نَعلِه) [الخطيب]

وهنا أريد أن أشكر أخاً كريماً رآني مرة متحيراً في مركبتي، ومعي أسرتي، وقد طرأ عليها مشكلة بسبب غَسلِ المحرك، فتوقَّف معي في ولاية صطيف ما يقارب ساعة يتفحص السيارة ويرشدني للحلول!

هكذا هي القيادة: فن، وذوق، وأخلاق، تواضع، وإيثار، ومسؤولية، وتعاون...

 

ثانياً: ملاحظات سريعة في ذوقيات القيادة:

 

 

نظافة الشارع: احذر أن ترمي شيئاً من نافذة السيارة، فإن الناس تراقبك وتنتقدك، وأنت مسؤول عن نظافة الشارع الذي تستخدمه أنت وغيرك، ناهيك أن يرمي بعضهم بصاقه، ويرمي آخر عقب سيجارته، وقشور الفاكهة والحلويات، وقارورات الماء الفارغة!! هذا كله مخالف للذوق، منافٍ للأدل والخلق الحسن.

وكذلك إن تعطلت سيارتك في الطريق فلا تتجاهل تلك الزيوت والشحوم التي سقطت مكان توقفك، حاول إزالتها بشيء من الورق أو المناديل، وضع ذلك في كيس صغير، وارمه في مكان القمامة.

 

استعمال البوق: إذا أردت ان تنادي أحداً في بيته فاتصل به، أو انزل واقرع جرس الباب، ولا تقف في الشارع تطلق البوق مراراً وتكراراً حتى يطلَّ من النافذة، فهذا يزعج مَن في الجوار، ففيهم النائم والمريض والطالب الذي يدرس...

لا تطلق بوق السيارة وأنت واقف على الإشارة فور رؤيتك للضوء الأصفر أو الأخضر، واعلم أن الناس تشاركك حاسة النظر، ويرون كما ترى، وبصورة عامة: لا تستعمل بوق السيارة مع البشَر إلا عند الضرورة، فالبشر عندهم لغة يتخاطبون بها، ويبقى البوق لحالات استثنائية، خاصة إذا سدَّ الطريق، أو وقعت في زحام فتمالك نفسك، واربط جأشك، ولا تقلق وتبدأ بالضغط على البوق، هذا يثير قلق الباقين، ويثير الجلبة والصخب في موضع يحتاج إلى الحلم والصبر.

 

استعمال الجوال: احذر الحديث على الجوال وأنت تقود سيارتك، فهذا يأخذك من القيادة بنسبة كبيرة، ويزعج من يقود خلفك أو على جانبك، ناهيك عن المخالفة القانونية للأمر، وتعريض النفس للخطر، فقد بيَّن بعض خبراء المرور أن التحدث على الجوال هو ثاني أسباب حوادث السير بعد زيادة السرعة.

 

 

(قد يهمك: الذوق.. والجهاز المحمول)

احترام الآخر: إذا احتجت ان تسخن سيارتك في وقت باكر لضرورة فحاول أن لا تضغط على دواسة البنزين، فيزيد الصوت وينزعج الجيران، وإنما أعط نفسك مزيداً من الوقت، وراقب السيارة عند محل الصيانة إن كانت تصدر في الصباح أصواتاً عالية عند التشغيل.

إذا صافحك أحد وأنت في سيارتك فانزل إليه وصافحه ما أمكنك التوقف.

إذا أخطأت الطريق وتهتَ عن المكان الذي تقصده فحاول أن تركِّز بعقلك دون عاطفتك، فإن تململك وقلقك لا يفيدك، وإنما يضرك ويخلط عليك الأمور.

 

هذه نقاط سريعة عن ذوقيات قيادة السيارة أحببت أن أشارككم بها، مرحباً بإضافاتكم أدناه