لا زلنا نعتبر المدح في الوجه نوعاً من التزلُّف والنفاق الاجتماعي، في حين أن المدح والثناء والتثمين والاهتمام هو بمثابة الوقود الدافع لعجلة الإنجاز عند كلٍّ منا.

واليوم -أكثر من أي وقت مضى- نحتاج لدعم هذه الثقافة بيننا، للتدرب عليها، لتطويرها، فمعظم شبابنا اليوم يعيش غربة حقيقية أو معنوية، بعضهم يعمل عملاً حراً في بيته بعيداً عن بيئة التنافس والاجتماع، وهذا يحتاج للدعم المعنوي ليتابع الخطو ويجدّ في المسير، يحتاج أن يرى بوصلته الذاتية وخطواته المتتالية بعيون المحبين والمهتمين والمثمّنين.

  • كلمة "أحسنت" لا تثقل كاهلك، ولكنها تجبر خاطراً!
  • إعجابك بمنشور يتحدث عن إنجاز ما، تعليقك عليه، وتفاعلك معه، ومشاركتك له.. يُحدِث أثراً عظيماً في تقدير هذا الجهد واستمرار هذا العطاء!
  • "شكراً" كلمة فيها من التقدير ما ليس في سواها!

 

ولأن التحفيز حق للفرد على المجتمع - سواء أكان المجتمع أسرياً أو مدرسياً أو مؤسساتياً أو افتراضياً...- وجب علينا بذله للصاعدين.

 

(مثير للفضول أن نصرف وقتاً لتهنئة من نجحوا؛ أكثر مما نصرف لتشجيع من لم ينجحوا بعد!)

[نيل تايسون]

 

لكن.. في حال غياب التحفيز وضعف بذلِه من قبل الآخرين لا بد للمرء أن يسعف ذاته بتلبية هذه الحاجة الفطرية لديه، فمن المؤلم أن تكون حركتك بيد الآخرين، فتكون حياتك ومآثرك وإيجابياتك كلها من تأليف الآخرين، يجب أن تؤلف أنت ذلك الكتاب الخاص بك، وهذه بعض الاقتراحات:

 

أولاً - افعل شيئاً تقنع به نفسك!

 

 

أكثر ما يحطم الإنسان خلوّ سجله اليومي من الإنجازات، تشرق الشمس وتغيب على إجراءات روتينية لا تُسمِن ولا تغني من جوع، عند وقوف هذا الإنسان مع ذاته، أو مراجعته ليومه على وسادة نومه، يواجه شخصاً عادياً، بل عادياً جداً، بل أقل من عادي! هذه المواجهة تصنع في الغد شخصاً كئيباً، كسولاً، يقرف الحياة، ويقعد عن الإنجاز!


قد يهمك: (الاكتئاب الأسود)

 

تفكر في علاقتك مع نفسك، ربما ستكتشف أنك تهرب منها، ذلك لأنك مقصر معها ولا تريد أن تحاسبك أو تحاسبها على هذا التقصير، بينما لو تشجعت لتجلس مع ذاتك جلسة واحدة لتنظفها من الشوائب بعيداً عن تأثير ذلك المخدر الذي تعودت أن تحقنها به، فإنك ستعجب من انطلاقها الحياتي وإنجازها الذاتي متسلحة بحبك وحب الآخرين والإقبال على رب العالمين.

 

نعم.. لا بد أن نفعل - يومياً ودورياً - أشياء نقنع بها أنفسنا، نرصدها لمواجهة الذات التي تريد جلدنا بسوط الإهمال والتكاسل.

- قراءة كتاب من 150 صحيفة أمر مقدور يومياً، واختصاره ومشاركته على مواقع التواصل نافع ومثمر!

- كتابة مقال عن همٍّ ما، أو موضوع ما، قد ينفع الكثير، ولا يستغرق من وقتك الكثير!

- تعلُّم 5 مفردات جديدة من لغة أجنبية أمر بسيط.

- نصف ساعة رياضة يومياً عادة جيدة وملهمة.

- حفظ صفحة واحدة من القرآن الكريم كفيل باستكمال الحفظ في سنتين، وقراءة نصف حزب يومياً أمر ليس بصعب.

 

ثانياً - اعتنِ بإنجازاتك:

 

 

خدمة الإنجاز جزء من مسيرته الطبيعية، ومحطة من محطاته المنطقية، والتي قد تضيع تحت ستار الإخلاص والتواضع وحتى الخوف من الحسد ربما، لكن هذا كفيل بوأد الإنجازات القادمة قبل أن تولَد، فالإنسان يحب أن يرى آثار عمله، ويستقبل اهتمام الناس به نقداً وثناءً واستفهاماً واستغراباً.. وحتى ذماً!

هل تعلم أن المجرمين يعتزون بسجلاتهم الإجرامية وسوابقهم البشعة ومطارداتهم الهوليودية، هل تعلم لماذا؟ لأنها ببساطة تملؤهم بالشعور بالأهمية والتفرُّد!

هل سألت نفسك مرة: لماذا يعمد المليونير إلى صرف أمواله في الأعمال الخيرية بعد السهر على جمعها؟! لأنه ببساطة يجني منها أثراً لا يمكن للمال المودَع في البنوك أن يجلبه!

 

ينفع أن تجعل لإنجازاتك سجلَّاً، ترجع إليه بين الحين والآخر، كلما خبت الهمة أو ضعفت العزيمة، فالحسنة أخت الحسنة، تذكر بها وتدل عليها، وأعمالك الصالحة عتادك في مواجهة نفسك، فإن زاغت النفس فارمها بواحد منها تذكرة وتنبيهاً..

كذلك ينفع أن تجمع شهاداتك التي تحصلت عليها أمام عينك في جدار واحد، لتغدو كتلة واحدة، ينطق كل جزء منها بتجربة سابقة ومهارة مكتسبة ومشاركة نافعة ورحلة ماتعة.

وبالمناسبة: هذه الإنجازات هي رصيد فخم ترجع إليه قبل الخوض في إنجازات مشابهة، فتقليب النظر فيها يمنحك دفعة من الثقة بالنفس ويعالج توترك وتخوّفك من الإخفاق.

اقرأ إن شئت "السر الكبير في التعامل مع الناس" ص 31 من كتاب "كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس" لديل كارنيجي.

 

 

ثالثاً - اصنع سجلَّاً للثناء:

 

لا يخلو سجل الواحد منا من جملة من الثناءات والشهادات المشرقة وعبارات المدح المحفزة التي تلقاها ممن حوله، كما لا يخلو أيضاً من تلك الكلمات المثبطة والمحطِّمة!

بين ثنايا أوراقي.. هناك ورقة عنوانها: (كلمات أعتز بها)، جمعت فيها عدداً من الشهادات التي سمعتها عن نفسي من عدد من العلماء والأساتذة والأصدقاء والإخوة المقربين، أقرؤها بين الفينة والأخرى، أشعر أني أرى نفسي بعين المحب، وأتفقد عندها همتي وعزيمتي، ثم أعيد ضبط البوصلة الذاتية إن كانت قد تأثرت ببعض التشظي.

قد يهمك مقال: (نفسك.. هل تحبها؟) 

 

نعم.. أنا أترحم على من أهدى إلي عيوبي، لكني كذلك أترحم ألف مرة على من أهدى إليَّ محاسني، ونبهني لمزاياي، ودلني على الطريق الصحيح، وبصرني بالآفاق، صادقاً غير مجامل ولا منافق، فإني أتذكره كلما ذقت طعم النجاح، كلما خطوتُ في دربه خطوة، وأدعو: لا حرم الله مِثلي من مثله.

 

(إن أعمق دافع في طبيعة الإنسان هو الرغبة في أن يكون مهماً)

[جون ديوي]

 

رابعاً - تمسك بالمحفزين:

 

 

في حياة كلٍّ منا أشخاص محفزين، مهتمين، ومحبين، يُحسنون التنقيب عن المحاسن، ويدفعون نحو المعالي، هؤلاء عملة نادرة، تمسك بهم، وتواصل معهم باستمرار، فهم يشحنون همتك، ويشحذون فأسك الذي تواجه به عقبات الحياة.

عن خلاد بن السائب، قال: دخلت على أسامة بن زيد فمدحني في وجهي، فقال: إنه حملني أن أمدحك في وجهك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «إذا مدح المؤمن في وجهه ربا الإيمان في قلبه»([1]).

 

خامساً - اجمع ملفاتك التحفيزية:

 

هناك قصائد تزودنا بالهمة، هناك فيديوهات وصور، تبعث فينا العزيمة عند كل برود، هذه الملفات الصوتية والمرئية ينفع جمعُها في مجلد واحد، ومهما كانت كثيرة فهو أنفع، اسمعها بصوت عالٍ عن طريق السماعات، حاول أن تعيشها، ولو قصيدة واحدة أو فيديو واحد أو حتى صورة عابرة بين الحين والآخر.

 

تابع على سبيل - المثال - هذه القصيدة:

 

 

سادساً - تابع قصص الناجحين:

 

الناجحون في الحياة علامات تدل مَن وراءهم بأن الأحلام ليست أحلاماً إلا في أذهان الكسالى، هي وقائع وتطبيقات عملية في حياة أولئك الناجحين، وأكبر دليل على ذلك أنهم حققوها فعلاً، وبعضهم نجح في ظروف أسرية أو اجتماعية أو مادية أو صحية قاهرة وظالمة ولا منطقية، ومع ذلك برزوا وتميَّزوا، والأدلة أكثر من أن تُذكَر.

 

هل تابعت برنامج "عمار الأرض" لمصطفى حسني؟ 

 

ولعل أبلغ قصص الناجحين هي قصص أقرانك المتميزين، وهذا - طبعاً - سلاح ذو حدين، أحياناً يدعو المتابع للحسد، للحقد، للتبرير باختلاف الظروف والأحوال، وأحياناً يدعو لتحطيم نجاحاتهم والتقليل من شأنهم حتى لا تبرز الفروق وتتضح الهوَّة!

انظر بعين الحيدة، اطمح للأفضل، وضع قدمك حذو خطو غيرك، {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39]

 

سابعاً - كن إيجابياً مع ذاتك

 

 

أحب نفسك، خاطب نفسك بإيجابية، بموضوعية، اعذرها عندما تخطئ أو تفشل، قدّر اجتهادك في اجتناب خطئك، وطول تفكُّرك في دراسة أمرك، وارضَ بما قسم الله لك.

بعضهم اعتاد جلد الذات، واتهام النفس، وإنكار الميزة، حتى غابت قيمته في عين نفسه فغاب أثره عن عين غيره.

 

ثامناً - حاول أن تتوازن

 

 

أن تتوازن بين حقوقك وواجباتك، بين مهامك وهواياتك، بين حاجاتك العقلية والقلبية والنفسية والجسدية والروحية، بين حق نفسك عليك وحقوق الآخرين عليك، فلا تذوب في غيرك ولغيرك...

هذا التوازن سيُشعرك بالسعادة، بالكفاءة، بالرضا عن الأداء، في حين أن التطرف سيشعرك بالملل، بالسآمة، بالتقصير في الجوانب الأخرى غير المغطاة.

وقد قيل: (إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى) [البزار والبيهقي]

 

تاسعاً - اصنع منبّهاً للسعادة

 

دون الأشياء التي تُشعرك بالسعادة، لتراجعها في أوقات الفتور..

1.     مراقبة نعم الله وخلقه

2.     استماع ومشاهدة ضحك الأولاد

3.     مجالسة الأقران

4.     ممارسة الهوايات

5.     الانتهاء من أداء المهام اللازمة

هذه أمثلة على ما يشعر الإنسان بالسعادة

 

حافظ على التحفيز اليومي

 

 

  • عد نفسك بهدية بعد الإنجاز (إجازة - طعام - شراب - نزهة...).
  • تذكر الأسئلة المحفزة، مثل: ما الجديد الذي سأفاجئ به أصدقائي اليوم؟ كيف يمكن أن أجعل عملي متميزاً عن أعمال الآخرين؟ كيف سيحدث والدي نفسه عندما يرى لابنه هذا الإنجاز؟!
  • استحضر النعم التي يُسعدك التفكُّر بها، وذلك من باب {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 7]، {فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأعراف: 69]، {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11].
  • ابدأ مهامك بالأسهل، ثم الأسهل، وتخلص من المهمات المملة بإنهائها، وحطم المهمات المعقدة عن طريق التقسيم والتجزيء.
  • تصرف باحترافية، اعتن ببيئة عملك، بأناقتك، نظف مكتبك، رتب أوراقك، وتفقد زجاجة عطرك، وعلبة السكاكر في درجك، واشرب بفنجانك الخاص، وضع بعض الورد أو النبات في مكتبك، وكن أنيقاً، واستمع لصوت المطر الهادئ وأنت تعمل... شيء من هذا أو كله يدفعك للمضي قدماً في عملك.
  • أحياناً ينفع أن تحاول أن تفشل، خاصة إن كنت تخاف الفشل فعلاً، فبادر إليه وحاول أن تستمتع بمتابعة نفسك وأنت تفشل في صغائر الأمور ودقائقها، تابع ذلك وأنت تضحك على أخطائك، لا تهتم كثيراً بالمشكلات الصغيرة.
  • كن مبدعاً: فكر خارج الصندوق، وغيِّر أساليب عملك، وتابع المَعارض والفعاليات والنشاطات التي تزودك بكل جديد ونافع.
  • استسلم لدقائق عندما تملّ، ولا بأس أن تتصفح بعض المواقع المفيدة، أو تحضّر شيئاً خفيفاً تأكله، أو مشروباً ساخناً أو بارداً تنشط به دماغك.
  • استمتع بحياتك: فهي قصيرة، وستعيشها مرة واحدة.

 

هذه عشر خطوات، جرّبتها وانتفت بها، وأنا حريص أن تنتفع بها كذلك..

  1. افعل شيئاً تقنع به نفسك!
  2. اعتنِ بإنجازاتك.
  3. اصنع سجلَّاً للثناء.
  4. تمسك بالمحفزين.
  5. اجمع ملفاتك التحفيزية.
  6. تابع قصص الناجحين.
  7. كن إيجابياً مع ذاتك
  8. حاول أن تتوازن
  9. اصنع منبهاً للسعادة
  10. حافظ على التحفيز اليومي.

 

 


([1])  أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين [3/ 690]، والطبراني في المعجم الكبير [1/ 170]، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد [8/ 119]: (رواه الطبراني، وفيه ابن لهيعة، وبقية رجاله وثقوا).